بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الخامس عشر
المعاني الثلاثة لماء الورد
لفظ ماء الورد یراد به ثلاثة[1] معان: 1- یطلق ماء الورد بالمعنی الأول علی المعتصر من الورد، كما أنّ ماء الرمان هو المعتصر من الرمان، وماء البرتقال هو المعتصر من البرتقال.
2- یطلق ماء الورد بالمعنی الثاني علی الجلاب المتعارف عند الناس، والذي یستخلص علی النحو التالي: یحضّر وعاءٌ ویجمع فیه ورودٌ ذات الرائحة العطریة ویركّب علی فوّهته خرطومٌ یوضع طرفه الثاني في وعاءٍ آخرٍ زجاجي. ثمّ یوضع الوعاء بمكوناته علی النار حتّی یبدأ في الغلیان والتبخّر. تستمر عملیة الغلیان إلی أن یتم تبخیر كمیة الماء جمعیها، والماء المتجمع في الوعاء الزجاجي هو ما یعرف بماء الورد. یترك ماء الورد في الوعاء الزجاجي إلی أن یبرد ثمّ یوضع في أوعیةٍ للاستخدام.
3- یطلق ماء الورد بالمعنی الثالث علی ماءٍ یوضع فیه الورد لیكتسب الماء نكهة الورد، كما ینبذ التمر في الماء المرّ لیحلو.
أما الروایة الورادة في ماء الورد ونفي البأس عن التوضؤ به فلم نتأكد من شمولها للقسم الأول من ماء الورد ولم یحرز لنا استخلاص ماء الورد علی نحو العصر في ذلك الزمان، والمتبادر من ماء الورد هو القسم الثاني أوالقسم الثالث أو كلاهما، وإن كان المراد من ماء الورد هو القسمان الآخران فهما ـ كماء البحر وماء البئر ـ یعدان من الماء المطلق لا من الماء المضاف، وكما أنّ ماء البئر ماءٌ مقیدٌ بالبئر، كذلك ماء الورد ماءٌ مقیدٌ بطیب الرائحة، ولا یخرجه عن صدق اطلاق الماء علیه، وهو یشبه تعطیر ماء الحوض بقطرة عطر. فهذان القسمان الآخران یدخلان في الماء المطلق، ولا یصلحان للتخصیص أو التقیید في أدلة «إنّما هو الماء والصعید» لأنّ الامتزاج في الماء والتراب مخرجٌ للماء عن الاطلاق والامتزاج، أما في القسمین الآخرین من ماء الورد بحیث لا یخرجهما عن الاطلاق.
ومن الواضح أنّ تقطیر الماء بالتبخّر (یزیده قیمةً) ولا یخرجه عن كونه ماءً، والجلاب أیضاً ماءٌ مقطرٌ غیر ممزوجٍ بشيءٍ لأنّ ما یبقی من الورد في الوعاء هو رائحته لا نفسه والامتزاج العقلي هو عدم انفكاك العرض عن المعروض، وهذا المقام ربما من قبیل التأثیر بالخاصیّة فلا یوجد مانعٌ عن التوضؤ بهذین القسمین الأخیرین.
نعم، بقاء اطلاق الماء في القسم الاول وهو عصیر الورد غیر معلومٍ فلا تشمله الروایة. ونبذ نباتاتٍ ذوات الروائح الطیبة كالریحان في الماء لتعطیره وتطیب طعمه لا یخرجه عن الاطلاق، فیجوز التوضؤ به. فتلخص أنّ هذین القسمین الأخیرین لایدخلان في الماء المضاف بخلاف القسم الأول وهو عصیر الورد فلا تشمله الروایة لانّه ماءٌ مضافٌ بعصر الورد.
(أقول: یبدو أنّ الاستاذ(ره) وجّه كلام الشیخ الصدوق(ره) وأشار بذكره لاقسام ماء الورد إلی أنّ كلام الصدوق(ره) ناظرٌ ؛لی القسمین الأخیرین لماء الورد الذي یصح التوضؤ به)
التعارض بین اطلاق روایة یونس وعموم آیة التیمم
وإن أصّر احدٌ وقال لا: هذا القسم الاول وهو استخلاص ماء الورد بالعصر كان شائعاً في عصر الائمة (علیهم السلام) ویشمله اطلاق هذه الروایة «… الرجل یغتسل بماء الورد ویتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس به».
قلنا: القسم الاول هو من الماء المضاف قطعاً، وغایة الأمر هو شمول اطلاق الروایة للقسم الاول، وحینئذٍ تتعارض مع الآیة المباركة، والنسبة بینهما هو العموم والخصوص من وجه؛ لأنّ الآیة المباركة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) تشمل القسمین الأخيرین (وهما استخلاص ماء الورد بالتقطیر والنقع) فیجب التیمم عند فقدهما ولا تنافیها الروایة، والآیة المباركة تشمل صورة فقد ماء البئر أو البحر وغیرهما، وتحكم بوجوب التیمم فیها، وكذا الروایة تحكم بوجوب التوضؤ بالقسمین الأخیرین.
مادة الاجتماع هو حكم الآیة الشریفة بوجوب التیمم عند وجود القسمین الأخيرین، ولا تنافیها الروایة «لا بأس به» وهذا وجه الجمع بین الآیة والروایة الشریفتین.
ومادة افتراق الآیة هو شمول الآیة الشریفة لسائر المیاه والحكم بوجوب التیمم عند فقد ماء البئر أو البحر وغیرهما من المیاه المطلقة، وإن وجد ماء الورد بالمعنی الأول لا یصح التوضؤ به لانّه جلاب، ولیس بماء، ومادة افتراق الروایة الشریفة هو صحة التوضؤ بالاقسام الثلاثة لماء الورد، وعدم جواز التیمم عند وجود قسمٍ منها.
فالآیة تحكم بوجوب التیمم عند فقد ماء البئر والبحر ونحوهما، والروایة لا تنافیها لأنّ الروایة تحكم بصحة التوضؤ بالقسم الثاني والثالث، والآیة لا تنفي حكمها. إنّما التعارض في القسم الاول الذي یشمل اطلاق الروایة صحة التوضؤ به، والآیة تنفي صحة التوضؤ به، وتحكم بوجوب التیمم فیه لعدم كونه ماءً.
فنقول في الجواب عنه أنّ الخبر یسقط عن الاعتبار إذا تعارض مع الكتاب المجید، سواءٌ تعارض بعمومه أو بإطلاقه، وسواءٌ تعارض بالتباین أو بغیره، ولا وجه لذلك الاطلاق والعموم، أي لا یتعبد بإطلاق الخبر المعارض لإطلاق الكتاب، كما في المقام لأنّ دلیل حجیة الخبر لا یشمل هذا الاطلاق، وبناءً علیه یعمل بإطلاق الآیة الشریفة (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) لعدم جواز التعبد بإطلاق الخبر والعمل به.
وزبدة الكلام هو حدوث التعارض بین الآیة الشریفة والروایة بنحو العموم والخصوص من وجهٍ، إذا فرضنا إطلاقاً للروایة وسلّمنا شمولها للاقسام الثلاثة (أي حكمها بصحة التوضؤ بها) فالروایة تحكم بصحة التوضؤ بالقسمین الأخيرین ولا تنافیها الآیة الشریفة (لأنّ الماء باقٍ علی إطلاقه) والآیة تحكم بوجوب التیمم عند فقد ماء البحر وماء البئر ونحوهما، ولا تنافیها الروایة الشریفة: والقسم الأول من ماء الورد هو وجه الافتراق الذي تحكم الروایة بصحة التوضؤ به، والآیة تحكم بوجوب التیمم وعدم صحة التوضؤ به، وحمل الروایة علی الوضوء اللغوي ـ وهو الغسل للتنظیف ـ خلاف الظاهر؛ لأنّ الروایة صریحةٌ في الوضوء الصلاتي «أیتوضأ للصّلاة» فعند التعارض یرجع إلی إطلاق الآیة واطلاقات سائر الروایات، ومقتضی الاطلاق هو وجوب التیمم عند فقد الماء.
والحمد لله ربّ العالمین.
[1] . هنا یذكر المرحوم التبریزی+ العملیات الثلاث لاستخلاص ماء الورد وهي العصر والتقطیر والنقع.