الماء المطلق والمضاف یطهرُ بالتصعید (ج 32)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثاني والثلاثون

مسألة 4: «المطلق أو المضاف النجس یطهر بالتصعید لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً.»

ویحكم بالطهارة في مسألة تبدل غیر السوائل. فالكلب الذي حكم الشارع بأنّه «رجسٌ، نجسٌ لا یتوضأ بفضله» إذا تبدل إلی ملحٍ یصیر طاهراً لأنّه لا یعدّ كلباً بعد التبدل وذلك لتغیر الموضوع وتعدده عرفاً أي «كان كلباً والآن هو ملح» فهما موضوعان متغایران في الحقیقة، ولو حكم الشارع بنجاسة هذا الملح لازداد عدد النجاسات في الشرع. فالدلیل علی مطهریة الاستحالة هو أنّ بالاستحالة یتحقق موضوعٌ جدیدٌ غیر الموضوع الذي كان نجساً؛ لأنّه انعدم وزال، وانعدام الحكم ناشئٌ عن انعدام الموضوع، والمستحال إلیه موضوعٌ آخر؛ كما في تصعید الماء المضاف أو الماء المطلق المتنجس فلا یصدق عنوان الماء علی البخار، وتنتفي النجاسة السابقة بانتفاء موضوعها ویحكم بطهارة المستحال إلیه، وهو إذا تبخّر في إناءٍ آخر ولم یلاق النجاسة طهر لتعدد الموضوع عرفاً. ولذلك قال(ره): المطلق أو المضاف النجس یطهر بالتصعید لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً» إذ الاستحالة هي تبدل حقیقة الشيء وصورته النوعیة إلی صورةٍ اخریٰ.

مناط الاستحالة لدی العرف

وأنبهکم علی أنّه یجب التمییز بین أمرین، أحدهما: تبدل الحقیقة السابقة التي كانت محكومةً بالنجاسة إلی حقیقةٍ أخری لدی العرف لا بالدقة العقلیة. والثاني: تبدل الاوصاف والاحوال دون تبدل الحقیقة لدی العرف، وعندئذٍ لو كان التبدل في الاوصاف فلا تصدق علیه الاستحالة، ولا یكون مطهّراً، وأما إذا كان التبدل في الحقیقة النوعیة فتصدق علیه الاستحالة ویكون مطهّراً.

مثلاً: لو أصاب الثوب أو البدن دماً رطباً ثم جفّ الدم، فالرطوبة وصفٌ قد أزیل بالجفاف، ولكن حقیقة الدم الجاف هي نفس حقیقة الدم الرطب لدی العرف، والجفاف لا یعد استحالة، وأمّا لو استحال الكلب ملحاً أو الكافر المشرك تراباً، فالملح والتراب طاهران لأنّ الانسان والتراب حقیقتان متغایرتان (منها خلقناکم و فيها نعيدکم)[1] والملح والكلب موضوعان مختلفان. إذن یجب التمییز بین الاستحالة وتبدل الأوصاف، ومعرفة المناط فیهما؛ لأنّ التبدل في الاوصاف غیر مغیّرٍ للحقیقة بوجه، والتبدل في الذات مغیّرٌ للحقیقة تماماً.

ضوابط الاستحالة في ترتب الطهارة علی السوائل

لا یخفی علیكم أنّ الاستحالة في السوائل لا تكون مؤثرةً في ترتب الطهارة إلّا إذا صبّ السائل المصعّد في اناءٍ غیر ما كان فیه عین النجس أو المتنجس؛ لأنّ الاناء السابق نجسٌ والملاقي له یصیر نجساً، فیحكم بالنجاسة فیه.

نعم، إذا دلّ دلیلٌ خاصٌ علی الطهارة في موردٍ كانقلاب الخمر خلاً في اناءٍ واحدٍ فهو محكومٌ بالطهارة، ومن الجدیر بالذكر أنّ تبدّل الخمر إلی الخل یعتبر استحالةً لدی العرف، ویعبر عنها بالانقلاب، ولیس هو تغیراً في الاوصاف إذ لا شبهة في تغایر حقیقة الخمر والخل عرفاً [وانما افرده بعضهم بالذكر لبعض الخصوصیات الموجودة فیه] وأمّا مع عدم دلیلٍ خاصٍ فالمرجع إلی أدلة النجاسات وتنجس المتنجسات والالتزام بعدم تأثیر الاستحالة في ترتب الطهارة عند وحدة الاناء.

والحمد لله ربّ العالمین


[1] . سوره طه (20)، آیه 55.