الماء المطلق في الآیات (ج 4)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الرابع

قال صاحب العروة(ره): «الماء إما مطلقٌ أو مضافٌ كالمعتصر من الاجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء، والمطلق أقسامٌ: الجاري والنابع غير الجاري والبئر والمطر والكر والقليل، وكلّ واحدٍ منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهرٌ مطهرٌ من الحدث والخبث»[1].

كان الكلام في الآيات الآنفة الذكر والتي تفيد بأنّ الماء بجميع أقسامه طهورٌ أي طاهرٌ مطهر.

وقد استدل بعض الفقهاء بهذه الآية المباركة: (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً)[2] على ذلك.

قلنا قد نوقش في دلالتها بوجوهٍ، والعمدة منها:

الاشكال الاول لصاحب الحدائق(ره)، قال: هذه الآية ‌مختصةٌ بالمياه النازلة من السماء وكأنّها تشمل ماء ‌المطر فقط، وأما غير ماء ‌المطر ـ أي سائر اقسام الماء ‌المطلق ـ فلا تشمله (والملخص) أنّ الآية المباركة تشمل ماء المطر فقط (مع أنّ البحث في جميع المياه المطلقة).

الاشكال الثاني لصاحب الحدائق(ره)، قال: إنّ الماء في هذه الآية المباركة نكرةٌ ‌وقد وصف بأنه: ماءٌ طهورٌ (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) والماء في الآية نكرةٌ في سياق الاثبات، وهي لا تفيد العموم. نعم، إنّ المصرح به في علم الأصول أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ إما بالوضع أو بالاطلاق. لكن لا شكّ بأنّ النكرة في سياق الاثبات لا تدل على العموم.

الاشكال الثالث لصاحب الحدائق(ره) هو: أنّ (الطهور) على وزن (فعول) من صيغ المبالغة، وصيغة المبالغة إذا كان مجردها فعلاً لازماً كـ(طهر) في المقام فهي للمبالغة في الطهارة وشدّتها، ولكن لا تدل على تطهير المتنجس أو المطهرية من الحدث.

جواب صاحب الحدائق عن الاشكال الاول:

أجاب صاحب الحدائق(ره) عن المناقشة الأولىٰ بأنّ جميع المياه نازلةٌ من السماء. فكلّ ماءٍ في الارض فهو نازلٌ من السماء، وتدل على هذا المعنى بعض الآيات وأيضاً بعض الروايات!

كما أنّ الآية ‌المباركة: (و أنزلنا من السّماء ماءً بقدرٍ فأسکنّاه في الأرض و إنّا على ذهابٍ به لقادرون‌) تدل على انّ المياه الارضية نازلةٌ من السماء وذيل الآية: (و إنّا على ذهابٍ به لقادرون‌) يشير إلى حرمان البشر من الماء عند إذهاب الماء النازل من السماء ـ ‌وهو انذارٌ يظهر الله سبحانه به القدرة علىٰ إذهاب الماء ـ وحرمان البشر منه، كما هو ظاهر الآية.

ثمّ يذكر صاحب الحدائق في ذيل هذه الآية المباركة رواياتٍ من تفسير القمي ويقول: هذا الماء النازل والساكن في الارض (الانهار والعيون والآبار)[3] نازلٌ من السماء. والعيون بأقسامها نازلةٌ من السماء، والأنهار نازلةٌ من السماء. كما في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله تعالى: (و أنزلنا من السّماء ماءً بقدرٍ فأسکنّاه في الأرض و إنّا على ذهابٍ به لقادرون‌) فهي الانهار والعيون والآبار. ولعلّها مستفادةٌ من تكوين البحر من الشطوط والانهار التي تصب فيه. كأنّ في الرواية دلالةً على أنّ كلّ ماءٍ نازلٌ من السماء فهذه الآية: (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) تشمل جميع المياه لأنّ المياه بجميع اقسامها نازلةٌ من السماء.

إنّ كلام السيّد الخوئي(ره)[4] جاء لتكملة ما قاله صاحب الحدائق: وفي التنقيح[5] بيانٌ يكمل جواب صاحب الحدائق(ره) وكأنّ السيد الخوئي(ره) رأى نقصاً في استدلال صاحب الحدائق(ره).

وقال السيد الخوئي(ره): فالمراد من الآية المباركة: (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) ليس نزول الماء بنفسه، بل نزول أمره من السماء فتشمل الآية جميع المياه الأرضية.

(أقول: الظاهر أنّ الآية الشريفة: (وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً) لا تعني ذكر المياه، بل هي بصدد بيان أمرٍ خارجٍ عن نطاق العادة ومعجزةٍ الهيةٍ، وهو إنزالٌ الماء من السماء؛ لأنّ تواجده على وجه الارض أمرٌ طبيعي، ولكنّ نزوله من السماء خارجٌ عن نطاق العادة ومعجزةٌ الهية. فعلىٰ هذا الاساس يظهر أنّ الآية ليست ناظرةً إلى ذكر اقسام المياه، أو ذكر المياه، بل هي في مقام توعية البشر لكي يعلموا بأنّ الله انزل الماء من السماء، وهذا دليلٌ على عظمة الله تعالى وقدرته اضافةً إلى كونه معجزةً الهية.


[1]. السيد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى (بيروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات)، ج2 ت1409ق) ج1 ص26.

[2]. سورة الفرقان (25)، آية 48.

[3]. علي بن ابراهيم القمي، تفسير القمي (قم، دار الكتاب، ج4، ت1367ش)، ج2، ص91.

[4]. كلام السيد الخوئي(ره):… تعليقة ص8 رقم 2.

[5]. تعليقة ص8 رقم2.