الماء المتغیر متنجساً (ج 63)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثالث والسّتون

ومن المطلقات المرویات هي صحیحة ابن بزیعٍ المعتبرة من حیث السند:

«عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعیل بن بزیع، قال: ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر به».

هٰذه الروایة مطلقةٌ ولا یمکن حملها علی الفرد الغالب، ولا یمکن القول بأنّ مطلق التغیّر موجبٌ للتنجّس، أي لا یصحّ حمل تلك الروایات الأخری علی الفرد الغالب في مقابل هٰذه الروایة. إذ قلنا یحتمل کونها منفردةً أو کونها مسموعةً مرّةً بدون القید من الامام الرضا (علیه السلام) ومع القید مرّةً أخری، وقد نقلها الکلیني بإطلاقها، ولٰکنّ الشیخ نقلها بقیودها «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا أن یتغیّر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه لأنّ له مادة» ویحتمل عدم وصول النسخة إلی الکلیني، بمعنی أنّ الناقلین للکلیني نقلوها مطلقةً، وهم لیسوا نفس الناقلین في سند الشیخ أو بالعکس، وهٰذا هو السّند الموجود في الکافي: «عن عدةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن الحسن بإسناده، عن محمد بن اسماعیل بن بزیع» ویحتمل أنّهم لم ینقلوا الحدیث للکلیني بأکمله، فلیس من المقطوع أنّ المنقول عن الکلیني یکون مطلقاً.

ثانیاً: إذا کان الخبر المنقول عن الکلیني مطلقاً، تقیّد بالمنقول عن الشیخ، ولا یحمل علی الفرد الغالب؛ إذ ینتفي الفرد الغالب وغیر الغالب في موارد اختلاف المطلق والمقیّد في السّلب والایجاب، ویقیّد المطلق، وفي المقام یختلفان في السّلب والإیجاب: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيء» أي ماء البئر طاهرٌ وٱستثني منه المتغیّر ریحه والمتغیّر طعمه، ویقتضي الحصر في غیر هٰذین الموردین طهارة ماء البئر. هذا هو مقتضی الحصر فلا إطلاق في البین، وانما هو حصر، وٱستثني من هٰذا الحصر خصوص التغیّر الریحي والتغیّر الطّعمي وأضفنا لهما التغیّر اللّوني. وکیف کان لا وجه لهٰذا الوهم.

توهّم عدم کون الماء المتغیّر منجّساً والجواب عنه

الأمر الثالث في المقام: بیان وهمٍ قد نقل کما یلي: إن قیل: إنکم تستدلون بالروایات علی تنجّس الماء الجاري والبئر والکر والمطر بحدوث التغیّر في أحد الأوصاف الثلاثة مع أنّ الاستدلال لیس في محلّه، ولا یستفاد التنجّس من هذه الروایات؛ لأنّ للماء حکمین، أحدهما: الطّهوریة والمطهّریة من الحدث والخبث وقد ٱستفید من الروایات عدم طهوریة الماء عند تغیّر أحد أوصافه الثلاثة، وعدم جواز التوضّؤ والغسل به، والثاني: عدم جواز شرب الماء المتغیّر، کما یستفاد ذٰلك من الروایات نحو قوله (علیه السلام): «فلا توضّأ منه ولا تشرب» فالشارع نهیٰ عن شرب الماء المتغیّر أحد أوصافه الثلاثة، وقد نهی عن شرب ماءٍ لم یتغیّر بأوصاف النجاسة وهو محمولٌ علی الکراهة، ولٰکنّ النهي عن شرب الماء المتغیّر نهيٌ تحریمي، کما لا یجوز الغسل والتوضؤ به. وامّا وجوب غسل الثوب الذي أصابه الماء النجس وعدم جواز الصلاة فیه فلا یستفاد من الروایات؛ لأنّها لا تدلّ علی کون التنجّس حکماً وضعیاً. ویستفاد تنجّس الماء القلیل من قوله (علیه السلام): «ویغسل کلّ ما أصابه ذلك الماء» في موثقة اسحاق بن عمار[1] الواردة في الماء القلیل الذي تقع فیه الفأرة ولٰکن لا یستفاد منها تنجّس الماء الکثیر وکونه منجّساً لملاقیه.

قلنا: لا وجه لهٰذا التوهّم الفاسد؛ لأنّ النهي في قوله (علیه السلام): «فلا توضّأ ولا تشرب» لیس نهیاً تحریمیاً کما یشهد له العرف، فالتوضّؤ بالماء المتغیّر لیس ارتکاباً لما هو خلاف الشّرع، بل هٰذا النهي إرشادٌ إلی تنجّس الماء کما یفهم العرف منه. والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– تعلیقة ص126 رقم 1.