بسم الله الرحمن الرحيم
البحث (90)
أقوال الفقهاء في كيفية جريان الماء الجاري
أضاف صاحب الحدائق(ره) قيداً في المقام وهو صدق الجاري على النابع بالفوران، سواءٌ كان جارياً بالفعل أو لم يكن كذلك.
سنقول إنّ النبع تارةً يكون بالفوران، واخرىٰ علىٰ نحو الرشح، وقد التزم(ره) بصدق الجاري على النابع بالفوران جرى أم لم يجر.
وحكي عن ابن أبي عقيل إنكار المادة وعدم اعتبارها في صدق الجاري، وكفاية الجريان الفعلي فيه، خلافاً لما قاله الشهيد الثاني وصاحب الحدائق من عدم اعتبار الجريان، والحاصل أنه قال بكفاية مجرد السيلان وإن لم يكن له مادة. هذا ما قالوه في الماء الجاري.
عرفية المعنىٰ في الماء الجاري
لا حقيقة شرعية للماء الجاري الوارد في الروايات ولحكم الشارع عليه كما سنذكره. إنّ للماء الجاري معنى عرفياً وهو المناط في الحكم، ولا اشكال في إطلاق الماء الجاري على ما ذكره المصنف(ره) وهو السائل بالفعل الواجد لمادةٍ في باطن الارض النابع على وجه الارض فوقها أو تحتها، وكما هي العادة ينصب الناس سلماً مؤدياً إليه لسحب الماء واستعماله، ويظهر الماء على الأرض المنخفضة بعد نبعه من باطن الارض، ويصدق عليه الجاري بلا شبهة.
انما الكلام في صدق الجاري وعدم صدقه على الماء الفاقد لمادةٍ في باطن الأرض.
قال البعض: إن كان مراد ابن أبي عقيلٍ عدم اعتبار المادة في الانهار والشطوط الجارية جراء هطول الأمطار والثلوج على الجبال والاراضي المرتفعة حيث تنصهر اثناء التساقط، مثل الجليد والمطر الثلجي وتسيل على المناطق المنخفضة فتملؤها خلال شهرين أو ثلاثة أشهرٍ وتبلغ اكراراً، فهو كلامٌ حسن.
وأما إن كان مراده سيلان كلّ ماءٍ على وجه الارض ولو كان مكثه قليلاً على وجه الارض لم يصدق عليه الجاري كجريان الماء على وجه الأرض بانقلاب حبٍّ كبيرٍ وإراقة مائهٍ البالغ قدر الكر.
وهذا مذكورٌ في التنقيح على ما ببالي.
عدم اطلاق الماء الجاري على الماء القليل الناتج عن ذوبان الثلوج
لم يحرز اطلاق الجاري في العرف على الماء الناتج عن ذوبان الثلوج وهطول الامطار إن كان قليلاً كما ينصهر الثلج على سفوح الجبال وينصب، كالماء المنصب من خرطوم الإبريق، فلم يحرز إطلاق الماء الجاري على هذا الماء القليل الذي لم تكن له مادةٌ في باطن الأرض عرفاً، ولو كان له مادةٌ فوق الارض وكان الثلج كثيراً فلا يترتب الاعتصام عليه، لأنّ عمدة الدليل على اعتصام الماء الجاري هي صحيحة محمد بن بزيع الواردة في ماء البئر الذي له مادةٌ باطنية، وكما ذكرنا أنّ هذه المادة توجب الاعتصام نظراً لكلام الامام (علیه السلام). لكنّ وجود المادة فوق الارض لا يوجب الاعتصام.
نعم، إذا بلغ الماء المنهدر من ذوبان الثلوج وهطول الامطار اكراراً لم يبعد اطلاق الجاري عليه وترتب أحكامه عليه، كما أنّ كفاية غسل الثوب المتنجس مرةً في الماء الجاري حكمٌ يختصٌ به، ولكن ليس اعتصام هذا الماء بالمادة بل بالكرية، والكلام إنما هو في الماء الجاري الذي يكون اعتصامه بالمادة الباطنية، سواءٌ كان جارياً على الارض أو جارياً تحت الأرض، من دون فرقٍ بين قليله وكثيره، وسنقول إنّ هذه المادة كمادة ماء البئر توجب اعتصام الماء؛ لأنه مقتضى التعليل في صحيحة ابن بزيع: «ماء البئر واسعٌ لا يفسده شيءٌ لأنّ له مادة» فمادة الجاري توجب اعتصامه كمادة البئر.
واما ما يكو ن منشأً لجريان الماء كذوبان الثلوج وسقوط الأمطار فلا دليل على اعتصامه مع قلته، كما في الجاري بمقدار المنصب من خرطوم الابريق وإن أطلق عليه عنوان الجاري. نعم، إذا كان قدر كرٍّ شملته أدلة الكرّ وإلّا فلا.
وصفوة الكلام: أنّ موضوع الماء الجاري مختصٌ بما إذا كان واجداً لمادةٍ في باطن الارض توجب اعتصامه، سواءٌ كان جارياً فوق الأرض أو جارياً تحت الأرض، وأما إن كان فاقداً للمادة الباطنية وكانت مادته فوق الارض، وهي هطول الامطار والثلوج وكان بالغاً حد الكرّ أو الاكرار ـ كما هو الحال في الشطوط والانهار ـ فاعتصامه مسببٌ عن الكرية، وأما إن كان قليلاً بمقدار المنصب من خرطوم الابريق ومستنداً إلى ذوبان الثلوج شيئاً فشيئاً على سفوح الجبال فلا دليل على استناد اعتصامه إلى المادة.
فعلم مما ذكرنا انه لابدّ من ملاحظة أدلة اعتصام الماء الجاري والبحث عن موضوع المعتصم في تلك الادلة. والحمد لله ربّ العالمين.