الفرق بین استحالة العین النجسة أو المتنجسة (ج 33)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثالث والثلاثون

الفرق بین استحالة عین النجس والمتنجس وعدم الاستحالة بسبب التبخیر

قال البعض بأنّ الاستحالة في الأعیان النجسة مطهّرةٌ مع تعدد الاناء في السوائل، ولا تكون مطهّرةً في المتنجسات، سواء كانت من السوائل أم من غیر السوائل، فالمتنجسات (الماء المطلق والمضاف) لا تطهر بالتبخّر؛ والدلیل علی مطهریة الاستحالة في الاعیان النجسة هو ترتب النجاسة علی عناوینها الخاصة فالكلب مثلاً بعنوان أنّه كلبٌ نجسٌ، والبول أو عذرة غیر مأكول اللحم وعذرة الانسان بعناوینها محكومةٌ بالنجاسة، وهذه العناوین تقوّم الحكم عرفاً، فمع زوال العناوین الخاصة ترتفع النجاسة وینتفي الحكم لانعدام موضوع النجاسة، كما إذا صارت العذرة رماداً أو الكلب ملحاً، فالمستحال إلیه طاهرٌ لانتفاء العنوان المقوّم للنجاسة وأصالة الطهارة، ولا محلّ لاستصحاب النجاسة لعدم بقاء الموضوع السابق.

وهذا بخلاف الاستحالة في المتنجس حیث إنّ النجاسة بالملاقاة لم تترتب علی المتنجسات بعناوینها الخاصة من الثوب والخشب ونحوهما؛ لعدم مدخلیة شيءٍ من تلك العناوین في الحكم بالنجاسة بالملاقاة، بل النجاسة فیها تترتب علی عنوانٍ غیر زائلٍ بالاستحالة وهو الجسم أو الشيء علی ما هو المعروف من «كلّ جسمٍ لاقیٰ نجساً یتنجس»[1] ومن الواضح أنّ الجسمیة أو الشیئیة صادقتان بعد استحالة المتنجس أیضاً حیث إنّ الرماد أو الدخان مثلاً جسمٌ أو شيء، ومع بقاء الموضوع وعدم ارتفاعه یحكم بنجاسته حسب الادلة الدالة علی أنّ الجسم أو الشيء یتنجس بالملاقاة.

ویردّ هذه الشبهة بأنّ موضوع الأعیان المتنجسة بالملاقاة هو وجود الشيء كما أنّ موضوع الاعیان النجسة هو وجود العنوان، فالثوب بما هو ثوبٌ متنجسٌ، ولمّا احترق وصار رماداً زالت نجاسته لأنّ النجاسة لیست محمولةً علی الجسمیة، ولیس معنی «كلّ جسمٍ لاقی…» هو أنّ الجسم معروضٌ للنجاسة، بل الدلیل یشیر إلی تلك العناوین المشخصة، وأنّ كلّ جسمٍ بعنوانه یتنجس بالملاقاة. فهذا الجسم بعنوان الثوب یتنجس، وذاك الخشب بعنوان الخشب یتنجس، وهكذا، وأمّا الجسمیة فهي واسطةٌ في الثبوت وعلةٌ للتنجس، وكم فرقاً بین معروض النجاسة وعلة عروض النجاسة؟ فإذن للصور والعناوین الخاصة مدخلیةٌ في الحكم بالنجاسة، وإذا زالت بسبب الاستحالة زال عنها حكمها، كما هو الحال في الاعیان النجسة كما مرّ.

عدم صدق الاستحالة فیما إذا تغیر الوصف وحده

ولإیضاح المطلب نضیف أنّ تبدل الاوصاف لا اعتبار بها كالثوب إذا صار قطناً وندف، إذ القطن هو الثوب عرفاً إلّا أنّه تغیر وصفه، وتغیر الوصف في المتنجسات لیس باستحالة، ولذلك ننظر إلی كبری القضیة في كلّ موردٍ، وهو انتفاء الموضوع المعروض للنجاسة وعدم انتفائه، مثلاً: لو صار الثوب رماداً خرج عن كونه ثوباً لدی العرف، وهو استحالةٌ لا تغیّر في الوصف، واما لو امتزج الماء المتنجس بالطین أو الجصّ تغیر وصفه بزیادة جزءٍ له، ولا یخرج الماء عن كونه ماءً؛ ولذلك لا یطلق الماء بلا قیدٍ علی المجموع الممتزج إلّا بالتجوز.

طهارة الاعیان النجسة والمتنجسة بسبب الاستحالة وعدم الطهارة بسبب التصعید

إذا عرفنا المناط في الاستحالة وهو تبدل حقیقة الشيء المعروض للنجاسة إلی شيءٍ آخر فلا فرق حینئذٍ بین الاعیان النجسة والمتنجسة، ولذلك یطهر الماء المضاف أو المطلق المتنجس بالتصعید؛ لأنّ البخار لیس بماءٍ عرفاً بل هو شيءٌ آخر طاهرٌ إذا صبّ في اناءٍ طاهر.

ولتتمیم البحث یجب التنبه إلی ایراد النقض علی القول بأنّ التصعید استحالةٌ، كما علیه صاحب العروة(ره)[2] فالبول مثلاً إذا انقلب بخاراً ثمّ انقلب سائلاً لم یطهر لأنّ السائل الناتج عن تصعید البول لیس بماء، بل هو بولٌ، وإن قلنا بأنّ التصعید هو الاستحالة للزم كونه طاهراً.

نقول: لا یتم هذا الاشكال إذ لا شك في أنّ التصعید أحد أفراد الاستحالة، وانما نحكم بطهارة المصعّد في الأعیان النجسة والمتنجسة إذا لم یصدق عنوان النجس علی المصعّد، وإلّا لم یكن طاهراً كما في السائل الناتج عن تصعید البول فتشمله الاطلاقات الدالة علی نجاسة البول؛ «إن أصاب ثوبك بولٌ فاغسله».[3]


[1] . «كلّ جسم لاقی نجساً یتنجس» بشرط رطوبة أحدهما، وهذا الشرط والمشروط مشهور بین الفقهاء، بل معقد للاجماع: «قد انعقد الاجماع علی ان كل نجس منجس وكل جسم لاقی نجساً برطوبة تنجس»؛ السید میر عبدالفتاح المراغي، العناوین الفقهیة (قم، دفتر انتشارات اسلامي، ط 1 ت 1417 ق) ج 1، ص 488.

[2] . ذهب صاحب العروة الی ان الماء المضاف النجس یطهر بالتصعید والاستحالة «المطلق أو المضاف النجس یطهر بالتصعید لاستحالته بخاراً ثم ماءً (السید محمد كاظم الیزدي، العروة الوثقیٰ؛ بیروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 2، ت 1409 ق، ج 1، ص 28) المرحوم میرزا التبریزي قال بالتفصیل في المسالة.

[3] . هذا الحكم موافق لمضمون الروایات كروایة «علي بن محمد، عن سهل عن احمد بن أبي نصر، عن عبدالكریم بن عمرو، عن الحسین بن زیاد، قال: سئل أبو عبدالله (علیه السلام) عن الرجل یبول فیصیب فخذه وركبته قدر نكتة من بول فیصلي ثم یذكر بعد انه لم یغسله، قال: یغسله ویعید صلاته»؛ محمد بن یعقوب الكلیني، الكافي (طهران، دار الكتب الاسلامیة، ط 4، ت 1407 ق)، ج 3، ص 17 – 18.