الطهارة منحصرة بالاتصال (ج 87)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (87)

الجواب عن رواية عبدالله بن سنان، أقول: لا دلالة لها على جواز التوضّؤ بماءٍ متغيرٍ زال تغيره من قبل نفسه؛ لأنّ المفروض فيها وجود الجيفة في الغدير، والجيفة هي اللّحم المتعفن أو الميتة النتنة. «سأل رجلٌ أبا عبدالله (علیه السلام) ـ وأنا حاضر ـ عن غديرٍ أتوه وفيه جيفة» فالجيفة موجودةٌ بالفعل في الغدير، ولكن لم يحدث التغير في الماء أي كانت الجيفة موجودةً فيه، وكان الماء قاهراً…. قال (علیه السلام): «لا توجد منه الريح فتوضّأ» نعم، إذا اخرجت الجيفة منه فربما عاد الماء بعد مدةٍ إلى حالته الأولىٰ، أما إذا كانت الجيفة في الماء فهي تسبب في تغير الماء ونتانته، ولا يزول تغير الماء ما دامت موجودةً فيها. فالمراد من غلبة الماء هو عدم حدوث التغير فيه؛ ولذلك تبقى المطلقات الدالة على بقاء النجاسة من دون معارض، ويصحّ التمسك بها والحكم بنجاسة الماء، وعدم كفاية زوال التغير. نعم، قد ناقش بعضٌ فيها وٱستدل بدليلٍ آخر سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالىٰ.

مسألة 18: الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير ٱتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر. نعم، الجاري والنابع إذا زال تغيره بنفسه طهر لاتصاله بالمادة، وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر كما مرّ».

حصر الطهارة بعد زوال تغير الماء المتنجس بالاتصال بمعتصمٍ آخر

كان الكلام في الحكم بنجاسة الماء المعتصم المتغير أحد أوصافه الثلاثة بوقوع النجاسة فيه، وإن زال التغير بنفسه. لأنّ زوال التغير لا يوجب طهارة الماء الذي كان معتصماً.

وعمدة الدليل على عدم ارتفاع النجاسة إلّا بعد زوال التغير بالاتصال بمعتصمٍ آخر هي اطلاق الروايات الدالة على الحكم بنجاسة ‌الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة، سواءٌ كان كراً أو معتصماً أو غيره، وقد عبّر عن النجاسة في تلك الروايات بلسان النهي عن التوضّؤ والشرب ونحو ذلك، وهذا النهي ارشادٌ إلى نجاسة الماء، والنهي باقٍ وإن زال تغير الماء بنفسه. نعم، لا تبقى نجاسةٌ عند زوال التغير بالاتصال بمعتصمٍ آخر كما سنذكر حكمه.

اما في المقام فقد ذكر وجهان يقتضيان طهارة‌ الماء عند زوال تغيره من قبل نفسه، ويمكن للقائل بالطهارة أن يتمسك بهما أو بأحدهما.

دليل من يدّعي طهارة الماء عند زوال التغير من قبل نفسه

الوجه الاول: أنّ النجاسة في لسان الأدلة مترتبةٌ على الماء المتغير. فالماء المتغير نجسٌ، والنجاسة كسائر الاحكام تثبت للشيء بعنوانه، وظاهر ثبوت الحكم على الشيء بعنوانه هو دوران حدوث الحكم وبقائه مدار حدوث العنوان وبقائه. فإذا قيل: «صلّ خلف العادل» حكمنا بجواز الاقتداء بهذا الشخص إذ ينطبق عليه عنوان العادل، وظاهر الخطاب هو جواز الاقتداء به مادام عادلاً، فالحكم دائر مدار العنوان والأمر كذلك في المقام. فقد ثبت التنجس للماء المتغير مادام عنوان التغير باقياً في الماء الخارجي، وزوال عنوان التغير يماثل زوال عنوان العادل عن الذات فينتفي الحكم بانتفاء العنوان.

وبتعبيرٍ آخر توجد موارد كثيرةٌ غير نادرةٍ يرتفع العنوان الموجب لحدوث الحكم فيها، ولكن يبقى الحكم فيها للذات الخارجي الذي كان ذلك العنوان منطبقاً عليه، ولكنه خلاف ظاهر الخطاب، فإذا قامت قرينةٌ على بقاء الحكم عند ارتفاع العنوان أخذنا بها، وإلّا دار حدوث الحكم مدار حدوث انطباق العنوان على الشيء الخارجي، ودار ارتفاع الحكم عن الشيء الخارجي مدار ارتفاع ذلك العنوان، كما هو مقتضى الخطاب نحو: «صلّ خلف العادل».

وفي المقام تنتفي النجاسة عند ارتفاع عنوان التغير عن الماء.

عدم ذكر عنوان «المتغير» في الروايات

وهذا وجهٌ عليلٌ صدر من الذي لم يتأمل في الروايات، بل لم ينظر إليها بشيءٍ من الدقة، وتقرير الجواب عنه كما يلي: إن عنوان «المتغير» لم يؤخذ في الروايات، بل حكم فيها بنجاسة نفس الماء إذا تغير، والتغير قيد الحكم في مقام الاثبات كما أنّ موضوع الحرمة في قوله: «العصير إذا غلى يحرم» هو العصير، والغليان قيد الحكم بحسب الخطاب.

وفي المقام فقد قال الامام (علیه السلام) في صحيحة حريز: «فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضّأ منه» أي من الماء وقوله (علیه السلام): «إذا تغير» قيدٌ للحكم وليس وصفٌ وعنوانٌ للموضوع فلا يقاس بمثل «صلّ خلف العادل». فمقتضى الاطلاق هو عدم جواز التوضّؤ والشرب من الماء المتغير وإن ارتفع تغيره.

إن هذه المسألة ليست صغرى لقاعدة ظهور الخطاب في مدخلية العنوان في الحكم حدوثاً وبقاءً؛ لأنّ تلك القاعدة تجري فيما إذا كان الحكم معلقاً على العنوان نحو «صلّ خلف العادل» فيكون الحكم دائراً مدار العنوان إن لم تقم قرينةٌ خارجيةٌ على خلافه، وأما إن كان القيد قيد الحكم في مقام الاثبات والخطاب لا عنوان الموضوع والمتعلق في الحكم لا يدور مداره نحو «إذا تغير الماء تنجس» أو «الماء يتنجس إذا تغير» من دون فرقٍ بينهما. فيتمسك بالاطلاق في هذه الموارد، وظاهره حدوث الحكم بحدوث التغير، ومقتضاه بقاء الحكم؛ ولذا نلتزم بطهارة الماء إذا اتصل بمعتصمٍ طاهر، ونرفع اليد عن الاطلاق بهذا الدليل، ولو كنا نحن وظاهر الخطاب وحده من دون دليلٍ على خلافه (لشمل اطلاق قوله: «إذا تغير الماء فلا توضّأ منه ولا تشرب» صورة الاتصال بالمعتصم الآخر بعد زوال التغير)، ولكن سنقدّم الدليل على طهارة الماء المتصل بالمعتصم بعد زوال تغيره ونرفع اليد عن هذا الاطلاق.

فهذا الوجه المذكور وجهٌ موهومٌ لا يمكن الاعتماد عليه. والحمد لله ربّ العالمين.