الشك بتغیُّر الماء (ج 83)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (83)

إنّ الموضوع في المقام هو وقوع النجس في الماء وتغيره به. أما إذا شكّ في وقوع النجس في الماء، بأن لم يعلم أنّ النجس وقع في الماء أو لم يقع فيه فالأصل عدم وقوع النجس فيه.

وإذا علمنا بوقوع النجس فيه ولم نعلم أنّ التغير مستندٌ إلى النجس أو إلى شيءٍ آخر طاهرٍ جرى الاستصحاب وحكم بأنّ التغير ليس مستنداً إلى النجس أي لم يحدث التغير بوقوع النجس. فكان الماء غير متغيرٍ بالنجس في زمانٍ سابقٍ فتستصحب الحالة السابقة وهي عدم وقوع النجس في الماء وعدم تغير الماء بالنجس، ويحكم بعدم تغير الماء بالنجس في هذا الزمان.

لا يقال: إنّ الاصل هو عدم تغير الماء بالشيء الآخر كالصبغ الطاهر فيتعارض الاستصحابان؛ لأنّ ٱستصحاب عدم وقوع النجاسة وعدم التغير عند الشك في أصل تغير الماء لا معارض له، وأما إذا كان التغير محرزاً فربما يوهم تعارض استصحاب عدم التغير بالنجس مع ٱستصحاب عدم التغير بالطاهر، لكن لا أساس لهذا الوهم من الصحة؛ لأنّ الشيء الطاهر ليس موضوع الطهارة حتى يوجب التعارض، بل موضوع الطهارة هو الماء المعتصم، سواءٌ كان كراً أو بئراً ذا مادة، حيث حكم الشارع بطهارته وٱستثنىٰ من ذلك صورةً واحدةً وهي تغير الماء بوقوع النجس. فموضوع التنجس هو تغير الماء بوقوع النجس، وموضوع الطهارة هو عدم تغير الماء بوقوع النجس، ولا دخل لتغيره أو عدم تغيره بالشيء الآخر بموضوع الطهارة.

الشرط في تعارض الاستصحابين

إنّ الاستصحابين يتعارضان في المقام إذا كان الاستصحاب الآخر موضوعاً للحكم أيضاً، لكن تغير الماء بالشيء الطاهر لا يكون موضوعاً لطهارة ‌الماء حتى تستصحب حالته السابقة، وهي عدم تغيره بالشيء الطاهر، ويتعارض مع استصحاب عدم التغير بوقوع النجس. فلا ينبغي توهّم التعارض؛ إذ المعارضة تتمّ فيما إذا كان التغير بوقوع الشيء الطاهر موضوعاً للطهارة، ومن الواضح انه ليس كذلك، وحينئذٍ نلاحظ موضوع النجاسة‌ وهو تغير الماء بالنجس، فإن لم يحرز هذا الموضوع أي كان الماء معتصماً غير متغيرٍ بوقوع النجس وغير مندرجٍ تحت المستثنى في قوله (علیه السلام): «إلّا أن يتغير…» بقي موضوع الطهارة على حاله؛ لأنّ الماء كرٌّ بالوجدان والأصل يحكم بأنّ التغير الموجود ليس مستنداً إلى وقوع النجس، فيحرز موضوع الطهارة لا محالة بشهادة الوجدان وحكم الاصل بعدم ٱستناد التغير إلى وقوع النجس. فلا إشكال في جريان الاستصحاب.

تبقى شبهةٌ فيما نحن فيه وهي: أنّ جريان الاستصحاب إنما يصح عند الشك في أصل التغير فنقول هناك: سبق أن الماء لم يكن متغيراً بواسطة النجاسة والآن لا يكون متغيراً بها. أما إذا شاهدنا التغير في الماء بالوجدان فهل يصح القول بأنّ الماء لم يكن متغيراً بالنجس سابقاً فتستصحب حالته السابقة ويحكم بأنّ الماء لا يكون متغيراً بالنجس لاحقاً؟ فكأنّ هذا الاستصحاب لا يثبت عدم تغيّر الماء بالنجس إي لا يحرز به عدم ٱستناد التغير المشار إليه في الماء وتلك الرائحة النتنة إلى وقوع النجس فيه.

فلا يجرىٰ الاستصحاب إذ لا يثبت بٱستصحاب عدم تغير الماء بوقوع النجس، عدم استناد التغيّر الموجود إلى وقوع النجس. تأمّلوا في هذه الشبهة.

مسألة 16: «إذا شكّ في التغير وعدمه أو في كونه بالمجاورة أو بالملاقاة أو كونه بالنجاسة ‌أو بطاهرٍ لم يحكم بالنجاسة».

طهارة ‌الماء عند الشك في التغير أو كونه بالمجاورة أو بالملاقاة أو كونه بالنجاسة أو بطاهر

هناك ثلاثة فروض:

الفرض الأول هو الشك في أصل تغير الماء وعدمه بوقوع النجاسة فيه.

الفرض الثاني هو العلم بتغير الماء بالنجاسة‌ والشك في أنّ التغير هل حدث بوقوع النجس في الماء وملاقاته له أو حدث بالمجاورة كمجاورته لميتةٍ ‌خارج الماء.

الفرض الثالث هو العلم بتغير الماء والشك في حدوث التغير بالشيء الطاهر أو بالشيء النجس كما لو صبّ صبغٌ ودمٌ في الماء ولم يعلم أنّ التغير مستندٌ إلى الصّبغ أو إلى الدم.

وفي هذه الفروض الثلاثة لم يحكم بنجاسة الماء أي يحكم بطهارته.

أمّا في الفرض الاول وهو الشك في أصل تغير الماء فالحكم واضحٌ لأنّ الماء لم يكن متغيراً في الزمان الاول ولم يلاق نجساً آنذاك، وتلك الحالة السابقة محفوظةٌ في الزمان الثاني فنستصحب عدم الوقوع وعدم التغير السابق.

ويجري هذا الاستصحاب بنحو مفاد كان الناقصة حيث يقال: هذا الماء كان معتصماً ولم يتغير بملاقاة النجس والآن كما كان.

الحكم بطهارة الماء وٱستثناء الماء‌ المتغير

إنّ المستفاد من أدلة الطهارة هو الحكم بطهارة الماء المعتصم ـ كالكرّ أو المتصل بالمادة كالجاري وماء البئر وماء المطر، وهكذا الماء ‌القليل. إنّ الشارع قد حكم بطهارة الماء المعتصم ومنه الكرّ وقد ٱستثنى منه صورة واحدةً وهي وقوع النجس في الماء وتغير أحد أوصافه الثلاثة أو تغير الماء بالنجاسة الواقعة فيه حسب اختلاف ألسنة الأدلة. والحمد لله ربّ العالمين.