التَّمسُّك بتعليل الرِّوایة (ج 14)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الرابع عشر

التمسك بالتعلیل الموجود في روایة عبدالله بن المغیرة

الكلام في صحیحة عبدالله بن المغیرة. ینقل الشیخ(ره) عن «محمد بن الحسن باسناده، عن محمد بن عليٍ بن محبوب» واسناد الشیخ إلی كتاب محمد بن عليٍ بن محبوب، اسنادٌ صحیحٌ وجلالته واضحةٌ «عن العباس» وهو عباس بن معروف بقرینة سائر الروایات التي ذكر فیها عباس بن معروف، وهو الناقل لروایات عبدالله بن المغیرة. «بن العباس، عن عبدالله بن المغیرة» وهو ثقة. «عن بعض الصادقین»؛ والظاهر أنّ الصادقین هنا یلفظ بصیغة الجمع، ویحتمل التثنیة لأنّ لعبدالله بن المغیرة روایاتٌ منقولةٌ عن الامام موسی بن جعفر (علیه السلام) أیضاً، والظاهر أنّه نقل هذه الروایة عن الامام موسی بن جعفر (علیه السلام). «إذا كان الرجل لا یقدر علی الماء وهو یقدر علی اللبن فلا یتوضأ باللبن، إنّما هو الماء أو التیمم». كلا منا في هذا التعلیل وأنّ ذلك الطهور الصلاتي مختصٌ بالماء والتیمم، ولا یمكن الطهور بغیرهما. «فإن لم یقدر علی الماء وكان نبیذاً فاني سمعت حزیراً یذكر في حدیثٍ أنّ النبي (صلی الله علیه وآله) قد توضأً بنبیذٍ ولم یقدر علی الماء».

قال البعض بأنّ ذیل الروایة (أنّ النبي (صلی الله علیه وآله) قد توضأ بنبیذٍ ولم یقدر علی الماء) یسقط الصدر (وهو یقدر علی اللبن فلا یتوضأ…) عن درجة الاعتبار، مضافاً إلی عدم العلم بأنّ بعض الصادقین الذي ینقل عنه عبدالله بن المغیرة هو الامام (صلی الله علیه وآله) بشخصه.

نحن نقول: إنّ الظاهر من بعض الصادقین الذي ینقل عنه عبدالله بن المغیرة هو الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) ولا ضیر في وجود الذیل؛ «فإني سمعت حریزاً یذكر في حدیثٍ أنّ النبي…» ومن الواضح أنّ حریزاً لم یمكن له أن ینقل عن النبي (صلی الله علیه وآله) بلا واسطة، بل هناك واسطةٌ لم تصل إلینا: فلا اعتبار بالذیل. هذا أولاً.

المراد من النبیذ في روایة عبدالله بن المغیرة

وثانیاً ما المراد من النبیذ في «قد توضأ بنبیذٍ ولم یقدر علی الماء»؟ لا كلام في أنّ النبیذ المسكر هو نوعٌ من الخمر، ومن الضروري عدم جواز التوضؤ به بناءً علی الروایات الدالة علیه. ولكن كما یظهر من الروایة اللاحقة في هذا الباب أنّ النبیذ في هذه الروایة هو ماءٌ نبذ فیه تمرٌ ونحوه لیحلو الماء وتزول مرارته لأنّ ماء البئر مرٌ احیاناً فنبذ التمر فیه یزیل مرارته ولا یخرجه عن اطلاق الماء علیه. فالمراد من النبیذ في قوله: «فإني سمعت حریزاً أنّ النبي (صلی الله علیه وآله) توضأ بنبیذ» هو هذا النبیذ لا النبیذ المسكر؛ أي ماءٌ نبذ فیه تمرٌ أو زبیبٌ لیحلو. وقد قیّد جواز التوضؤ به بعدم القدرة علی الماء، إذ مع القدرة علی الماء لا داعي للتوضؤ بماءٍ عذبٍ صالحٍ للشرب، فلا دلالة للروایة علی جواز رفع الحدث بغیر الماء عند الضرورة. هذا ظاهر الروایة.

فمقتضی التعلیل في هذه الروایات وقول الله تبارك وتعالی في الآیة الشریفة: (فلم تجدوا ماءً فتيمّموا) هو وجوب التیمم عند فقد الماء، سواءٌ وجد المكلف مخیضاً أو لبناً أم لم یجد. ومقتضی الاطلاق في الآیة الشریفة والروایات الدالة علی أنّ «المسافر یطلب الماء مادام في الوقت، فإذا خاف الوقت یتیمم ویصلي» هو وجوب طلب الماء والتیمم عند فقد الماء، ولم تقل الروایة أنّ «المسافر یطلب الماء أو اللبن، فإذا خاف الفوت یتیمم ویصلي.» والتقیید بالمسافر للغلبة لأنّ المسافر لا یجد ماءً غالباً فیجب علیه طلب الماء أولاً والتیمم عند فقد الماء ثانیاً. فعلم من هذه المصادر أنّ رفع الحدث مختصٌ بالماء، ومنحصرٌ فیه، وغیر الماء لا یرفع حدثاً.

دراسة الروایة الدالة علیٰ جواز التوضؤ بماء الورد

لبّ الكلام هو الروایة الواردة في جواز التوضؤ بماء الورد، وقد نوقش فیها وهي روایة یونس: «محمد بن یعقوب، عن علي بن محمد» وهو علي بن محمدٍ البندار، راوٍ ثقةٌ من شیوخ الكلیني، ینقل «عن سهل بن زیاد الآدمي، عن محمد بن عیسی، عن یونس، عن أبي الحسن (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل یغتسل بماء الورد ویتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك» فكأنّ الصدوق أفتی بجواز التوضؤ بماء الورد بناءً علیٰ هذه الروایة والفیض الکاشاني أفتی به أیضاً، وکأنّها تحمل علی الضرورة، وربّما کان المستند لابن عقیلٍ هو روایة حریز «فإني سمعت حریزاً أنّ النبي (صلی الله علیه وآله) قد توضأ بالنبیذ ولم یقدر علی الماء» واستفاد منها جواز رفع الحدث بغیر الماء عند عدم التمكن من الماء.

تضعیف روایة سهل بن زیاد

في هذه الروایة اشكالٌ إذ في سندها سهل بن زیادٍ الآدمي وهو كان ضعیفاً في الحدیث غیر معتمدٍ علیه فیه بناءً علی القول المشهور، وإن روي كثیراً عنه ونقل الكلیني في الكافي روایاتٍ كثیرةٍ عنه بواسطة مشایخه، وینبغي التأمل في طرح ما رواه، ومن هنا قالوا بأنّ: «الأمر في سهل، سهلٌ» وسنبحث فیه بالتفصیل إنّ شاء الله تعالی.

«عن محمد بن عیسی، عن یونس». قد اختلف البعض في كونه هو محمد بن عیسی العبیدي الذي ینقل عن یونس، عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام). لكن لا دخل لصحة السند وعدمها فیما نحن فیه، ولا محصل للنقاش السندي في هذه الروایة، لأنّ في الروایة تقول: «عن الرجل یغتسل بماء الورد». المراد من الماء، ماء الورد. فقد قرأ بعضٌ لفظة «الورد» بكسر الواو، وهو بمعنی الورود، فماء الورد هو ماءٌ یرد فیه شيء وتتغیر رائحته به كورود حیوانٍ أو انسانٍ فیه. نعم، هذا الاحتمال بعیدٌ جداً؛ لأنّ هذه الروایة من جملة الروایات التي وصلت إلینا یداً بیدٍ، وقد قرأها الشیخ علی تلمیذه وقرأ التلمیذ علی الشیخ، ثمّ كان الاستاذ یمنح اجازة الروایة لتلمیذه والتلمیذ كان ینقل بعد ذلك. فیعلم من هذه الروایة التي وصلت إلینا وفتوی الصدوق(ره) بجواز التوضؤ بماء الورد أنّ الروایة واصلةٌ إلی الصدوق(ره) من أرباب الحدیث، ویبعد كلّ البعد أن یكون الورد بكسر الواو وبمعنی الورود، بل هو بفتح الواو، والحمد لله ربّ العالمین.