التنجس بتغیر اللون (ج 58)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثامن والخمسون

قد مرّ أنّ روایة أبي بصیرٍ تدلّ علی انفعال ماء الکرّ إذا تغیّر لونه بوقوع النجس فیه، والإمام (علیه السلام) أجاب عن «الماء‌ النقیع تبول فیه الدّواب» بقوله: «إن تغیّر الماء فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه» ثمّ قال: «وکذٰلك الدّم إذا سال في الماء وأشباه الدّم». ومن المعلوم أنّ التغیّر بالدّم علی ما یستفاد من الروایة لیس إلّا التغیّر في اللّون نوعاً ومیله نحو الصّفرة وتنجّس الماء به. هٰذا هو التغیّر في اللّون.

الإشکال علی سند روایة أبي بصیر

کان الکلام فیما ادّعاه البعض من أنّ یاسین الضریر واحمد بن محمد بن الحسن بن الولید واقعان في سند روایة أبي بصیر، ولم تثبت وثاقتهما؛ «أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید، عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عیسی، عن یاسین الضریر، عن حریز بن عبدالله، عن أبي بصیر».

الجواب عن الإشکال السندي علی روایة أبي بصیر

ولٰکن لنا مبدأٌ وبناءً علیه نلتزم بصحة هٰذه الروایة ونعبّر عن سنخها بالمصحّحة؛ لأنّ أسانید الروایات المنقولة عن الشیخ في التهذیب، وعن الکلیني والصدوق(رهم) لا تنحصر بتلك المذکورات في هٰذه الکتب، وإن کان سند البعض منها منحصراً، ولٰکن هناك أسانید اخری لغیر واحدٍ من الأخبار، وقد ٱقتصر علی الأسانید المذکورة في الکتب، وکان دأب الشیخ(ره) في ‌التهذیب أن یبتدئ باسم الشّخص الذي کان یأخذ الروایة من کتابه، ومن المعلوم أنّ کتب هٰؤلاء الرواة لدی الشیخ أو الصدوق أو الکلیني کانت نسخاً لأصحاب الکتب، وکانت الروایات لهم من دون تطرّق دخلٍ وتصرّفٍ فیها، وقد نقل الشیخ في آخر التهذیب (في آخر المجلد العاشر) المعبر عنه بمشیخة التهذیب عدّةً من الوسائط ما بین صاحب الکتاب والشیخ کما ذکر الوسائط بینه وبین کتاب الحسین بن سعیدٍ الأهوازي، والشیخ الطوسي(ره) لم یذکر کثیراً من المشایخ في المشیخة، ولٰکن قد تعرّض لبعضهم في ‌الفهرست، وذکر المعاریف وأصحاب الکتب فیه، ثمّ ذکر الأسانید إلى کتب أصحاب الکتب، وکیفیة وصول الروایة والکتاب بواسطتهم إلیه. فالفهرست یذکر جملةً‌ من الرواة الذین یبتدئ السند بهم في ‌التهذیب، وإن لم یکن الفهرست في‌ مقام بیان الأسانید إلى تلك الکتب، بل إنه یذکر ترجمة احوال أصحاب الأئمة (علیهم السلام) الذین هم أصحاب الکتب وفي ضمنها یذکر الأسانید إلی کتبهم، وللشیخ في الفهرست عبارةٌ حول هٰؤلاء الاشخاص یستفاد منها صحة الأسانید في بعض الموارد.

فروایة أبي بصیر ضعیفةٌ السند بحسب الظاهر؛ لأنّ فیه: «عن محمد بن محمد بن النعمان، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید، عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عیسی، عن یاسین الضریر، عن حریز» بن عبدالله السجستاني «عن أبي بصیر». ولم تثبت وثاقة یاسین الضریر وأحمد بن محمد بن الولید، فلا یتمّ سندها، ولٰکن هناك کلامٌ في الفهرست حول بعض الاشخاص یقنعنا بأن نغض النظر عن ضعف السند؛ إذ یظهر منه أنّ للشیخ سنداً آخر، بل أسانید اخری للمرویات عن هذا الشخص؛ لانه یذکر في الفهرست أسانید متعددة. فلو صحّت الأسانید ولو بعضها لکشف من ظاهر العبارة أنّ للروایة سندین أو أسانید متعددة، إذن لا یتمّ السند المذکور هنا، ویصح السند المذکور في الفهرست.

مثلاً في هذه الروایة ینقل یاسین الضریر عن حریز بن عبدالله، عن أبي بصیر، وقد قال الشیخ(ره) في کتابه الفهرست عن حریزٍ ما نصّه: «حریز بن عبدالله السجستاني ثقةٌ کوفيٌ سکن سجستان له کتبٌ منها کتاب الصلاة، کتاب الزکاة، کتاب الصوم، کتاب النوادر، تعدّ کلّها في الأصول، اخبرنا بجمیع کتبه وروایاته».

والسند ـ کما یلي ـ هو السند الصحیح لروایات حریز: «عدةٌ من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسین» وهو الصدوق «عن أبیه، عن سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر ومحمد بن یحیی وأحمد بن ادریس، وعلي بن موسی بن جعفر کلّهم عن أحمد بن محمد» وهو أحمد بن محمد بن عیسی «عن الحسین بن سعید، وعلي بن حدید، وعبدالرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عیسی الجهني، عن حریز».

وینقل الشیخ(ره) هذه الروایة في ‌التهذیب، وهي من روایات حریز؛ لأنه واقعٌ في سندها، ویاسین الضریر ینقل عن حریز. فالصغریٰ هي وقوع الروایة، والکبریٰ هي قوله «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته» وهٰؤلاء الاشخاص الذین لیس فیما بینهم یاسین الضریر ولا أحمد بن محمد بن الحسن بن الولید کلّهم من الأجلاء، والقاعدة الکلیة التي نستند إلیها هي أنّه إذا صرّح الشیخ(ره) بأنّ شخصاً «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته» أو ظهر ذٰلك من کلامه في‌ الفهرست، وکان ذٰلك الشخص واقعاً في سندٍ من أسانید الروایات التي ینقلها الشیخ(ره) في الاستبصار أو التهذیب ـ من دون فرقٍ بینهما ـ لاعتبرت روایته إن لم یوجد ضعفٌ من حیث السند بین ذلك الشخص والامام (علیه السلام) کما في هذه الروایة التي ینقل حریز بن عبدالله، عن أبي بصیر، عن أبي عبدالله (علیه السلام) إذ لا ضعف بین حریزٍ والامام الصادق (علیه السلام) بل الضعف کائنٌ في‌ الرواة عن حریز حتی یصل إلى الشیخ(ره) فالضعف في ما قبله وهم الذین یقعون في هذا الطرف من السند حتی یصل إلى الشیخ(ره) فلروایة حریزٍ سندٌ توأمٌ؛ لأنّ الشیخ(ره) قال في الفهرست: «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته» ونقل سنداً آخر معتبراً.

وحاصل الکلام هو انه إذا قال الشیخ(ره) في ‌الفهرست «أخبرنا بجمیع کتبه وروایاته» أو کان ظاهر کلامه(ره) ذٰلك ولم یکن ضعفٌ بینه وبین الامام (علیه السلام) في السند، بل کان الضعف في ما قبله من الرواة لثبت أنّ للروایة سنداً توأماً لا سنداً واحداً. ففي خصوص هٰذه الروایة تثبت بنقل الشیخ(ره) للسند صغراها، وتستفاد کبراها من الفهرست.

مضافاً إلى ذٰلك فقد قال الشیخ نفسه(ره) في التهذیب بأنّ الاقتصار علی السند في بعض الموارد لیس معناه انحصار السند بواحد.

فتبیّن ـ بناءً علی ما ذکرناه ـ أنّ هٰذه الروایات تکون معتبرةً ومنها روایة أبي بصیر، ونستنتج من ذٰلك کلّه أنّ التغیّر في لون الماء موجبٌ لنجاسته.

دلالة روایة ابن فضیلٍ علی کون التغیّر في ‌اللّون منجّساً

ومن الروایات الدّالة علی کون التغیّر موجباً لانفعال الماء روایة علاء بن الفضیل، وهي کما یلي: الشیخ «باسناده عن محمد بن علي بن محبوب» وإسناد الشیخ عن کتاب محمد بن علي بن محبوبٍ صحیحٌ ومحمد بن علي بن محبوب من الاجلاء وجلالته واضحة، ومحمد بن عبدالجبار من الثقات العدول، وفي سندها محمد بن سنان الذي ینقل عنه محمد بن عبدالجبار، وورد في محمد بن سنان تضعیفٌ «عن علاء بن الفضیل» وهو من الاجلاء «قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الحیاض یبال فیها» لم تذکر لفظة الدواب في هذا الخبر فیعمّ الانسان وغیر مأکول اللّحم «قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول».

هٰذا هو التغیّر في اللّون.

والمشهور هو ضعف الروایات التي ینقلها محمد بن سنان، ولنا کلامٌ في الروایات التي یقع في سندها محمد بن سنان، وهو احتمال أن یکون التضعیف راجعاً إلى روایاته لا إلى نفسه؛ لأنّ في روایاتها ضعفاً من جهة الغلوّ أو نحوه من المطالب المستنکرة، ولا ملازمة بین تضعیف الروایة وتضعیف الراوي، وربما یکون الراوي ثقةً ولٰکنه ینقل روایةً عن أحدٍ فیها غلوٌ أو منکرٌ، ولابدّ من طرح هٰذه الروایات، ومع ذلك لا یبعد أن یکون سائر روایاته معتبراً؛ لانّه ثقةٌ في النقل بناءً علی أن لا یکون التضعیف راجعاً إلى نفسه، وعلی تقدیر الضعف من حیث السند کما علیه المشهور فلا تضرّ في ‌المقام إذ تکون روایته حینئذٍ مؤیّدةً للمدعیٰ. والحمد لله ربّ العالمین.