الاشکالات على کلام السید الحکیم (ج 38)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن والثلاثون

الاشکالات الواردة علی رأي السید الحکیم(ره)

الاشکال الاول: عدم جریان استصحاب الحکم والموضوع في المقام

لا یمکن المساعدة علی ما أفاده السید الحکیم(ره) في ‌المستمسك بوجهٍ وأنّ المقام لا یصلح أن یکون مجرىً للاستصحاب، سواءٌ کان استصحاباً موضوعیاً أم حکمیاً؛ لاشتراط وحدة القضیة المتیقنة والقضیة المشکوکة في باب الأستصحاب، کما أن هذا الشيء حین کونه علی صورة المطر، کان مطهراً من الحدث والخبث سابقاً: فموضوعه کان الماء، والماء بما هو ماءٌ مطهّرٌ من الحدث والخبث، والآن بقاء ذلك الحکم یکون مشکوکاً، واستصحاب الحکم انما یجري فیما یکون موضوعه باقیاً إي ذلك الموضوع الذي کان موضوع المطهریة یقیناً وهو الماء المطهر من الحدث والخبث في المثال. هذا الموضوع لو کان کثیراً لما کان یتنجس بملاقاة النجس وکنا متیقنین بذلك، وأما السّیل الموجود فمشکوكٌ حکمه من أول الأمر ولا نعلم أنّ الشارع جعل له المطهریة أم لا؟ وهل جعل له الاعتصام حینما اصبح کراً أم لا؟ هذا مشکوك من أول الأمر.

وبعبارةٍ واضحةٍ یحتمل أن یکون المقام من قبیل «اسراء حکمٍ من موضوعٍ إلى شيءٍ آخر» وهذا لا یدخل في باب الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب الحکمي مشروطٌ بإحراز بقاء الموضوع وهو مشکوكٌ فیه علی الفرض ویحتمل أن یکون موضوعا آخر.

الاشکال الثاني: عدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمیة

یختص اعتبار الاستصحاب بالشبهات الموضوعیة ولا یعتبر في الشبهات الحکمیة حتّی فیما إذا کان بقاء العنوان المقوّم محرزاً مضافاً إلى عدم جریانه عند الشك في العنوان المقوم، والسرّ في ذلك هو التعارض؛ بیان ذلك:

إنّ الحکم في الشبهات الحکمیة أمرٌ جعليٌ اعتباري، ومثاله: ما لو تنجس الماء ‌الراکد الکثیر بالملاقاة وتغیر أحد أوصافه الثلاثة، ثم وقع الشك في بقاء نجاسته بعد زوال تغیره؛ فهاهنا لا یجري استصحاب النجاسة إن لم یقم دلیلٌ علی الحکم؛ والا تنجس بمقتضی الدلیل لأنّ النجاسة أمرٌ جعليٌ؛ ونعلم أنّ النجاسة مجعولةً حین التغیر، ولم تکن مجعولةً حین التغیر ولا بعد زوال التغیر قبل جعل الشارع للشریعة الاسلامیة ونحتمل بقاؤه علی عدمه الازلي ففي مثالنا یکون استصحاب بقاء الحکم بالنجاسة إلى ما بعد زوال التغیر، معارضاً باستصحاب عدم جعل النجاسة للماء حین زوال التغیر وبقاء العدم الأزلي.

وبعبارة أخری السرّ في عدم اعتبار الاستصحاب في المقام هو تعارض استصحاب بقاء ‌الحکم السابق باستصحاب عدم جعله علی نحو السعة والاطلاق، فالحکم لیس مجعولا علی نحوس السعة والاطلاق بحیث یتسع إلی ما بعد زوال التغیر ویشمله. لا نرید أن نقول: ان المجعول هو الحکم الضیق ولا نرید ابنائه، لان ما یشمل حال زوال التغیر هو النجاسة وسعة الجعل وهذا محرز نحتمل عدم الجعل بالنسبة إلى حال عدم التغیر أي بقاء زوال التغیر في عدمه ولذلك لا یعتبر الاستصحاب في الشبهات الحکمیة.

الاشکال الثالث: ضرورة اشتراط احراز العنوان المقوّم في جریان الاستصحاب

إنّ الاستصحاب لا یعتبر في الشبهات الحکمیة والشبهة في المقام شبهة حکمیة والشك واقع في العنوان المقوم ومضافا إلى ذلك لو سلّمنا حجیته فیها فهو انما یجري فیما لو کان بقاء ‌العنوان المقوم للحکم السابق محرزاً لدى العرف، والمقام من قبیل الشك في بقاء العنوان المقوّم[1]. لاحظوا نجاسة الماء ‌المتغیر؛ فإنّ الماء عند العرف هو المعروض للنجاسة، والشارع جعل النجاسة له، وأما هل التغیر لدى العرف علةٌ لحدوث النجاسة المجعولة للماء من قبل الشارع کي ترتفع بارتفاعه أو علةٌ لحدوثها وبقائها معاً؟ توضیح ذلك:

تارةً یکون حدوث الشيء علةً لحدوث الحکم وعلةً لبقاء الحکم کما في قوله: «المحدود لا یصلّیٰ خلفه»[2] فالحدّ علةٌ لحدوث عدم جواز الاقتداء بالمحدود وعلةٌ لبقائه وإن تاب المحدود وصار عادلاً. إذن «من وقع علیه الحد في آنٍ لا یصلیٰ خلفه» وإن صار عادلاً وزاهداً کما هو مقتضى الاطلاق في الادلة، والمفهوم من مناسبة الحکم والموضوع فحدوث هذا الحکم علة لحدوث الحکم وبقاء الحکم.

وأخرىٰ یکون حدوث الحکم منوطاً بحدوث الشيء وبقاء الحکم منوطاً ببقاء ذلك الشيء فتکون علة الحدوث مغایرةً لعلة البقاء، والتعبیر بالعلة من باب ضیق البیان، والمراد منها هو أنّ حدوث الجهة ـ کالتغیر ـ الذي تسبّب في جعل الشارع للحکم إما یکفي في جعل استمرار الحکم واما لا یکفي فیه. فحدوثه موجب لحدوث الحکم وبقاؤه موجب لبقاءه.

وفي الشرع مواردٌ نعلم کیفیة ‌الجعل فیها، ومواردٌ نشك في أنّه هل حدوث الشيء علةٌ لحدوث الحکم وبقاء ‌الحکم أم حدوثه موجبٌ لحدوث الحکم وبقاؤه موجبٌ لبقاء الحکم؟

فلو شککنا في أنّ حدوث التغیر في الماء الکثیر مثلاً هل یوجب حدوث النجاسة وبقاءها وإن زال التغیر؟ أم حدوث التغیر یوجب حدوث النجاسة‌، وبقاء التغیر یوجب بقاءها؟ هنا نحکم بجریان الاستصحاب إن لم یکن هناك دلیلٌ علی ارتفاع النجاسة إذ العنوان المقوم للحکم لدی العرف وهو الماء القذرٌ باقٍ علیٰ حاله. کما لو زال التغیر في الماء الراکد مثلا ولم یکن دلیل لدینا علی ارتفاع النجاسة.

فالمراد هو العنوان المقوم لدی العرف. یقولون: الماء صار نجسا وقذرا والقذارة تتعلق بالماء فإن بقی هذا العنوان جری الاستصحاب.

واما في‌ ما نحن فیه وهو الشك في الاضافة والاطلاق ورافعیته من الحدث والخبث وعدم العلم بصدق الماء علیه فلا مجال لجریان الاستصحاب الحکمي؛ لأنّ الشك واقعٌ في بقاء العنوان المقوم لدى العرف.

فأولاً: الاستصحاب هنا هو الاستصحاب في الشبهة الحکمیة الذي قلنا بعدم اعتباره فیها.

وثانیاً: یجري الاستصحاب الحکمي في موارد الیقین ببقاء العنوان الذي هو موضوع الحکم على فرض تسلیم جریانه في الشبهة الحکمیة.

وثالثاً: لا یجري الاستصحاب التعلیقي على فرض جریان الاستصحاب في الشبهات الحکمیة وجریانه فیما لم یحرز بقاء ‌العنوان المقوم فیه، کما قرّر في محلّه. والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– العنوان المقوم هو ما یقوّم الحکم ویکون وجود الحکم دائراً مدار وجوده.

[2]– ولا یصلی خلف المحدود وان تاب وصار عادلاً؛ المیرزا جواد بن علي التبریزي، صراط النجاة، دار الصدیقة الشهیدة، ط 1، ت 1427ق، ج7، ص187.