بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (102)
الاشكال على كلام المرحوم النائيني في المقام
قال النائيني(ره) إذا تضمن العام حكماً إلزامياً وكان المخصص عنواناً وجودياً ذا حكمٍ ترخيصي فالمرجع هو التمسك بالعام. فإن كان مراده هو الحكم الظاهري لم يمكن المساعدة على ما أفاده؛ لأنّ العام متضمنٌ للحكم الواقعي، وان كان مراده هو الحكم الواقعي المترتب على جميع أفراد العام إلّا ما أحرز عنوان الخاص فيه لم يحتج إلى معاناة الجواب عنه؛ لأنّ العلم والجهل غير مأخوذين في معاني الالفاظ. فلو قال: «كلّ ما يلاقي نجساً يتنجس إلا الكر من الماء وما له مادة» فإنّ معناه هو ماء الكر الواقعي وما له مادةٌ واقعاً، سواءٌ علمنا أو جهلنا، فالعلم غير مأخوذٍ في معاني الالفاظ كي يتمّ اثبات الحكم الواقعي المتعلق بالعام لجميع الافراد إلا الفرد الذي احرز عنوان الخاص فيه، والاحراز ليس مأخوذاً في معاني الالفاظ. فلا تتمّ الكبرى في كلامه(ره) إذ لا يسعنا الالتزام بالتمسك بالعام فيما إذا كان للعام حكمٌ الزامي وخرج عنوان المخصص منه، سواءٌ كان المراد هو الحكم الواقعي أو الحكم الظاهري. فلا يتمّ أصل الكبرى.
وإن سلمنا صحة الكبرى والتزمنا بالتمسك بالعام في الفرد المشكوك عند ما كان للعام حكمٌ الزامي أو ملزومٌ لحكم إلزامي، وخرج منه عنوانٌ وجوديٌ واجدٌ لحكم ترخيصي، من دون فرق بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، لم تنفع الكبرى؛ لانها فاقدةٌ للصغرىٰ في المقام، ولا يوجد عامٌ دالٌ على أنّ «كلّ ما لاقى نجساً يتنجس» وسيأتي أنّ التنجس قد ذكر في بعض الموارد، وقد تمّ اصطياد قاعدةً منها وهي: «الملاقي للنجس يتنجس» وتحدد هذه القاعدة الكمية المصطادة والمستفادة من تلك الأدلة فتنحصر القاعدة بغير الماء؛ إذ لا دليل على انفعال الماء بملاقاته للنجس الّا الاخبار الواردة في الماء القليل ومفهوم أخبار الكر الذي مرّ ذكره، وهي مخصصةٌ بالماء الواجد للمادة فلا يوجد عامٌ شاملٌ للماء وغيره وخارجٌ عنه الماء الذي له مادة.
وأما عموم قول الامام (عليه السلام): «ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء» في موثقة اسحاق بن عمارٍ الواردة في رجلٍ يجد في انائه فأرةً متسلخة، فهو يشمل الفراش والثوب والبدن، لكنه لا يشمل الماء وغيره من السوائل كما ذكرنا في محله، وقلنا: إنّ هذا العموم يشمل كلّ ما يتنجس بالماء المتنجس ويكون قابلاً للغسل ولا يستفاد من هذه الموثقة انفعال الماء بالماء المتنجس، بل لابد فيه من الرجوع إلى أدلة انفعال الماء القليل الواردة في موارد خاصةٍ كمفهوم أخبار الكر الذي خصص بما له مادة، فما له مادةٌ لا ينفعل وان كان قليلاً لانا استفدنا عدم انفعال ما له مادةٌ من صحيحة ابن بزيع. فمفهوم أخبار الكر مخصصٌ بلا تردد.
فالموجود لدينا هو انفعال الماء القليل الّا القليل الواجد للمادة، ولا عموم في المقام يدل علىٰ أنّ «كلّ ملاقٍ للنجس يتنجس» حتى يتمسك به ولدينا مفهوم اخبار الكر، وقد خرج الماء الواجد للمادة من مفهوم اخبار الكر الدال على أنّ «الماء إذا لم يبلغ قدر كرٍ ينجسه شيء»[1]. فإن قلنا بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لم يجز التمسك به مبدئياً، وان قلنا بجوازه لم يصحّ التمسك بعموم المفهوم في المقام لأنّ عموم المفهوم مقيدٌ بالماء الذي لم يبلغ قدر كرٍ ولم يكن له مادة، وحينئذٍ التمسك بهذا المفهوم في غير الكر الذي يحتمل كونه ذا مادةٍ من قبيل التمسك بالمطلق المقيد في الشبهة المصداقية، ولا شكّ في عدم حجية العموم والمطلق في هذه الموارد.
التمسك بالاستصحاب للحكم بنجاسة الماء المشكوك قلته
نعم، إنّ عمدة الدليل الذي أقاموه في المقام هو الاستصحاب عند الشك في وجود المادة وعدمه في الماء القليل، والحكم بنجاسته حين ملاقاته للنجس حيث قالوا: إنّ موضوع الانفعال في المقام وأمثاله يحرز بضم الوجدان إلى الأصل، فانّ الشارع حكم بنجاسة الماء القليل الفاقد للمادة في مفهوم أخبار الكر وفي أحاديثٍ خاصة، وهذا ماءٌ بالوجدان ويحرز عدم وجود المادة بالاستصحاب و «بضم استصحاب عدم المادة إلى الوجدان» نحكم بانفعال الماء، فموضوع الانفعال محرز، وهذا تفريعٌ شرعيٌ بمعنى أنّ موضوع التنجس يحرز بضم الوجدان إلى الأصل.
فإن كان الماء مسبوقاً بالاتصال بالمادة وشككنا في بقاء اتصاله جرى الاستصحاب بلا شبهة، أما في محل الكلام وهو ما إذا لم تحرز حالته السابقة من الاتصال والانقطاع ففي جريان الاستصحاب هنا اشكال؛ لأنّه استصحابٌ للعدم الازلي إذ لابدّ في استصحاب عدم المادة من احراز الحالة السابقة في المستصحب وهو «عدم المادة لهذا الماء» والمحرز هنا هو العدم الازلي حيث لم يكن الماء موجوداً نفسه فلم يكن له مادة، وإذا انتفى الموضوع انتفى المحمول والوصف وانعدم الوصف بانعدام الموصوف. فالحالة السابقة المحرزة في المقام هي عدم المادة لعدم الموصوف ولعدم المعروض، وبتعبيرٍ علميٍ لعدم المقتضي إذ لم يكن ماءٌ حتى يصبح مقتضياً للمادة أو عدم المادة. والحمد لله ربّ العالمين.
[1]. طائفة من روايات الكر …