بسم الله الرحمن الرحيم
الجلسة الأولى
فصلٌ في المياه
فصل في المطلق والمضاف
الماء إما مطلقٌ[1] أو مضافٌ كالمعتصر من الاجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء.
والمطلق أقسامٌ: الجاري[2]، والنابع غير الجاري[3] والبئر[4]، والمطر[5]، والكر[6]، والقليل[7]، وكلّ واحدٍ منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهرٌ مطهر من الحدث[8] والخبث.
بيان البحث
تطبيق النص: الفصل الأول: أقسام الماء المطلق والمضاف.
يبدأ السيد صاحب العروة(ره) بذكر أقسام الماء المطلق والماء المضاف في الفصل الاول من العروة، ويقول: «الماء إما مطلقٌ أو مضاف» ثمّ يذكر أقسام الماء المطلق وأحكاماً يشترك فيها جميع أقسام الماء المطلق ويتطرق إلى أحكام الماء المضاف أيضاً.
وكأنّ عبارة العروة تشير إلى مثالين كمعيارٍ للماء المضاف.
1. «الماء المضاف كالمعتصر من الاجسام» كماء الرمان والبرتقال و… وغيرها.
2. «والممتزج بغيره» كالوحل وهو ماءٌ ممتزجٌ بالتراب بحيث يخرجه عن اطلاق اسم الماء عليه. فلابدّ أن يبلغ الامتزاج حداً لا يطلق عنوان الماء على الممتزج.
شرح كلام صاحب العروة(ره):
الماء المضاف هو الماء المعتصر من الأجسام، وأمّا امتزاج الماء المطلق بغير الماء ـ بجسمٍ آخر ـ كالوحل، وهو الماء الممتزج بالتراب؛ فتارةً يكون امتزاجه غير مخرجٍ للممتزج عن إطلاق اسم الماء عليه ولا يمنع أن يقال: «هذا ماءٌ» لقلة التراب مثلاً كما في الماء العكر. فالماء العكر ماءٌ وإن كان غير صافٍ. وهذا النوع من الامتزاج لا يخرج الماء عن كونه ماءً غير مضاف.
وتارةً أخرى يبلغ الامتزاج حداً لا يصح اطلاق الماء بلا قيدٍ عليه حقيقةً، وإنّما يطلق عليه الماء بالعناية كالماء والتراب فإطلاق الماء على الطين ليس إطلاقاً صحيحاً وإذا اطلق عليه الماء أحياناً فهو من باب العناية، كما يطلق على ماء اللحم بأنه ماءٌ لقلة دسومته. فإطلاق الماء عليه كنايةٌ عن قلة دسومته أو لحمه.
نعم، إنّ المثالين الّذين ذكرهما صاحب العروة(ره) لا يعدان معياراً للماء المضاف.
لأنّ الماء المضاف يتحقق في غير موارد الامتزاج بالاجسام والمعتصر من الاجسام أيضاً كماء الفم (البصاق) وماء الأنف (الرشح) والدمع والعرق.
المناط في الماء المطلق والماء المضاف
كأنّ المناط في الماء المطلق والماء المضاف هو صحة اطلاق الماء على الماء المطلق فيقال: «هذا ماءٌ» وعدم صحة اطلاق الماء على الماء المضاف بلا قيد. والماء المضاف ـ الذي هو محل الكلام ـ ليس كبعض السوائل الذي لا يصح اطلاق الماء عليه لا مطلقاً ولا مقيداً كالدهن والدّبس والنفط ونحوها. فهذا القسم من السوائل المضافة خارجٌ عن محل الكلام. إنّما محل الكلام هو قسمٌ من السوائل المضافة الذي يطلق عليه الماء مقيداً كماء الرمان والبرتقال ونحوهما. فالمناط في الماء المضاف هو صحة اطلاق الماء عليه مقيداً وعدم صحة اطلاق الماء عليه مطلقاً إلّا بالعناية والتجوز، كماء اللحم الذي ذكرناه آنفاً فيقال له: «هذا ماءٌ» لقلة دسومته أو لحمه. اما اطلاق الماء بلا قيدٍ على الماء المطلق فهو صحيحٌ ولا عناية هنا كماء النهر وماء البحر وماء البئر. فلو قلت: «ماء البئر أو البحر أو النهر ماءٌ» صحّ ذلك. نعم، نحن لا نقول بعدم صحة اطلاق الماء المقيد في موارد الماء المطلق لئلا يردّ علينا أحدٌ بأنّ التقييد جارٍ في موارد الماء المطلق أيضاً كما في ماء البحر وماء البئر وماء المطر، بل مرادنا هو صحة اطلاق الماء بلا قيدٍ في موارد الماء المطلق من دون عناية وتجوز. فلو أشرنا إلى ماء البئر مثلاً وقلنا: «هذا ماءٌ» صحّ هذا الاطلاق بلا اشكالٍ بخلاف ماء الرمان والبرتقال ونحوهما فلا يصح اطلاق الماء بلا قيدٍ على هذه المياه المضافة، وانما يصح بالعناية والتجوز. كذلك ماء الفم؛ فلو قيل: «ماء الفم، ماءٌ» فهو اطلاقٌ مجازيٌ لأنّ ماء الفم ليس بماءٍ حقيقةً، وانما هو ماءٌ مجازاً بشهادة الارتكاز[9]، لأنّ إرادة المعنى المرتكز من الماء واطلاقه بلا قيدٍ على ماء الانف أو ماء الفم ليس إطلاقاً صحيحاً. (والحمد لله رب العالمين).
[1]. الماء المطلق هو ماءٌ يطلق عليه عنوان الماء بلا قيدٍ عرفاً وعادة.
[2]. الجاري من الماء: و هو النابع السائل.
[3]. الماء النابع غير الجاري:هو كالعيون الواقفة التي لها مادةٌ و لأجلها لا تنقطع بنفسها بحر الشمس و عصف الريح و لا بالأخذ منه تدريجا.
[4]. البئر: وهو مجمع ماءٍ نابعٍ من الأرض لا يتعدّاها غالباً و لا يخرج عن مسمّاها عرفا.
[5]. ماء المطر: المطر هو شكلٌ من أشكال قطرات الماء المتساقطة من السحاب في السماء. وأنواع الأمطار ثلاثةٌ، أمطارٌ تصاعديةٌ وهي التي تحدث بسبب تمدد الهواء الرطب القريب من سطح الأرض، والأمطارٌ التضاريسية وتحدث بسبب التقاء الرياح الرطبة القادمة من البحر بمناطق مرتفعة، والأمطار الإعصارية وتكون بسبب التقاء رياح مختلفةٍ في درجة حرارتها ورطوبتها.
[6]. الكرّ: هو مصطلح فقهيٌ يطلق على أحد أقسام الماء المطلق، ولا يتنجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاث: اللون، الطعم، الرائحة. الكر وما یوافق الاحتیاط هو ما ملأ وعاءً بطول ثلاثة أشبار ونصف، وعرض ثلاثة أشبارٍ ونصف، وعمق ثلاثة أشبار ونصف.
[7]. الماء القليل: و هو في الاصطلاح غير الكر، الذي لا مادة له، انه ينجس بملاقاة النجس، من غير فرقٍ بين النجاسات حتى بمقدار رأس إبرةٍ من الدم.
[8]. الحدث نجاسةٌ حكميةٌ لا تزول إلا بالنية، و الخبث نجاسة عينية تزول بغير النية.
[9]. معنى الارتكاز هو ثبوت مفهوم خاص في ذهن طائفة من الناس أو أغلبهم أو كلهم كارتكاز حرمة القرآن والكعبة عند المسلمين قاطبة وحرمة الأئمة (علیهم السلام) عند الامامية.