اعتبار مسانخة الأوصاف (ج 74)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (74)

عدم اعتبار مسانخة أوصاف النجس ومماثلتها لأوصاف الماء المتغیّر

ربما یقال إنّ ثمة روایاتٍ ظاهرةٌ في الحکم بنجاسة ماء الکرّ إذا اکتسب أوصاف النجس أو اکتسب أوصافاً مسانخةً لأوصاف النجس بملاقاة النجاسة، ‌ولکن هناك روایاتٌ مطلقةٌ تدّلّ علی الحکم بنجاسة الماء إذا تغیّر بوقوع النجاسة فیه وإن لم تکن أوصافه المتغیّرة مسانخةً ومماثلةً لأوصاف النجاسة.

ومن تلك الاطلاقات، إطلاق صحیحة حریز: «کلّما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء واشرب فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم فلا توضّأ منه ولا تشرب».

لا یستفاد من هٰذه الصّحیحة تقیید تنجّس الماء بما إذا اکتسب الماء طعم المیتة أو رائحة المیتة بل یحکم بنجاسة الماء بوقوع المیتة فیه وتغیّره وإن لم یکن التّغیّر مستنداً إلى أوصاف النجس کما لو تغیّر طعم الماء بوقوع النجس فیه، وکان النجس مراً، ولکن لم یصبح مذاق الماء مریراً ففي هذه الصّورة یحکم بنجاسة الماء نظراً لإطلاق الروایة: «فإذا تغیّر الماء وتغیّر الطّعم».

وهکذا في روایة أبي خالدٍ القمّاط التي لم نستبعد کونها من صحاح الأخبار.

«یقول: في الماء یمرّ به الرّجل وهو نقیعٌ، فیه المیتة والجیفة فقال أبو عبدالله (علیه السلام) إن کان الماء قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه».

والتغیّر في هذه الروایة أعمّ من التغیّر المسانخ وغیر المسانخ لوصف النجس وکذلك توجد إطلاقاتٌ أخریٰ یؤخذ بها في المقام.

فإذا فرضنا وجود روایاتٍ معتبرةٍ من حیث السّند ومن حیث الدّلالة تدّل علی النجاسة حکم بنجاسة الماء، ولا یمکن رفع الید عن هذه الاطلاقات وإن فرض وجود روایاتٍ ظاهرةٍ في تقیید التغیر بالتغیّر المستند إلى وصف النجاسة کالروایة الظاهرة في نجاسة الماء عند حدوث نفس نتانة المیتة في الماء؛ إذ الغالب في المیتة هو حدوث نتانتها في الماء، فالتقیید هنا باعتبار الغلبة؛ أي غلبة حدوث نفس رائحة المیتة في الماء، وقد ذکرنا أنّ وجود القید الغالبي في الخطاب لا یوجب رفع الید عن الاطلاقات وإن کانت شرائط الإطلاق والتقیید متوفرةً في الخطاب.

فعلی هذا الاساس یؤخذ بالمطلقات، ولا یعارضها وجود القید الغالبي في بعض الروایات.

عدم الفرق بین التغیر اللّوني والریحي وبین التغیر الطعمي

ظهر مما ذکرنا أنّ احتمال الفرق بین التغیر اللّوني والریحي وبین التغیر الطعمي أمرٌ مستبعدٌ فلا دلیل علی القول باعتبار المماثلة في التغیر اللّوني والریحي دون التغیر الطّعمي إي لا یمکن أن نلتزم بلزوم المماثلة والمسانخة في التّغیر اللّوني والریحي دون التّغیر الطّعمي بحجة أنّ الماء لا یکتسب طعم المیتة؛ لأنّ لسان الروایة منتظمٌ علی نسقٍ واحد. فالماء محکومٌ بالنجاسة إذا تغیّر طعمه أو لونه أو ریحه بوقوع النجاسة أو وقوع المتنجس الحامل لأوصاف النجس فیه، وذکرنا أنّ غلبة النجاسة علی الماء هو غلبة المتنجس علیه.

الدلیل علی عدم إطلاق الروایات الواردة في التّغیر عند السید الحکیم(ره) والجواب عنه

بقي هنا کلامٌ للسّید الحکیم(ره) في المستمسك: بیان ذلك: التزم السید الحکیم(ره) کصاحب الجواهر(ره) بأنّ التغیّر بعین وصف النجاسة أو سنخه شرطٌ في الحکمٍ بتنجس الماء بالتغیّر من دون فرقٍ بین أن یکون وصف النجاسة الحادث في الماء وصفاً أصلیاً لها وهو اللّون الأصلي أو الطعم الأصلي أو الریح الاصلي، أو یکون ذلك الوصف وصفاً عارضیاً للنجاسة کمثال الحّناء ووصفه المذکور آنفا.

یقول السید الحکیم إنّه لا وجه لما ادّعي في المقام من وجود إطلاقاتٍ تقتضي الحکم بالنجاسة، عند حدوث التغیّر في الماء فلا یوجد إطلاقٌ في الروایات المذکورة؛ لأنّ القرینة الارتکازیة الموجودة فیها تمنع من انعقاد الظّهور في الاطلاق، والقرینة الارتکازیة هي حصول النّفرة للانسان عندما یتغیّر الماء أو غیر الماء بوقوع النجاسة فیه، ویحدث ذلك التغیّر بسبب أوصاف عین النجاسة، فانتقال أوصاف النجس إلى الماء أو غیر الماء موجبٌ لحصول النّفرة والاستقذار العرفي، وهذا الاستقذار هو موضوع الحکم بالتنجّس، فالشارع حکم بانفعال الماء المتغیّر بأوصاف النجاسة‌ نظراً لحصول النّفرة.

هذا ما أفاده السید الحکیم(ره).

لکننا تأمّلنا سابقاً ولاحقاً ولم نعثر علی شيءٍ نؤیّد به کلامه فلا یمکن تصدیقه وذلك لوجهین:

أولاً: أنّ النفرة لا تنحصر بصورة انتقال أوصاف النّجس إلى الماء. نعم، قلنا إنّ للمیتة طعماً ولٰکن لا کلام في استقذار الماء المّر المسبب عن وقوع المیتة فیه فالعرف یقول: إنّ المیتة أمرّت الماء فلا تشرب منه. فلا تختصّ النّفرة بحدوث وصف المیتة في الماء.

ثانیاً: لو سلّمنا الاختصاص فما الدّلیل علی أنّ النّفرة موضوعٌ للحکم الشرعي ومن یقول به؟ إذ مورد الحکم الشرعي هو مطلق تغیّر الماء بسبب النجاسة.

فقد جاء في روایة محمد بن اسماعیل عن الامام الرضا (علیه السلام) أنّه قال: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلا أن یتغیّر ریحه أو طعمه فینزح منه حتّی یذهب الریح ویطیب طعمه لأنّ له مادة».

وهذا الاطلاقٌ یقتضي الحکم بنجاسة الماء المتغیّر مادام التغیّر موجوداً وإن لم یکن مستقذراً فالماء نجسٌ وإن اکتسب طعماً غیر طعم النجس «فینزح منه حتّی یذهب الریح ویطیب طعمه».

إشکال السید الحکیم في باب التغیر بعین أوصاف النجاسة أو سنخها

وللسید الحکیم(ره) تذییلٌ لکلامه بعد أن استقویٰ القول باعتبار التغیّر بأوصاف النجاسة في الحکم بالنجاسة، سواءٌ کانت تلك الاوصاف، أوصافاً أصلیةً للنجاسة أو عرضیةً لها؛ حیث قال: «ومن ذٰلك» أي من اختصاص تنجّس الماء بالتغیّر بعین وصف النجاسة أو سنخه من دون فرق بین حدوث الوصف الاصلي للنجاسة أو حدوث الوصف عند ملاقاة الماء له ـ «یظهر الاشکال فیما ذکره المصنف(ره) في المسألة اللاحقة بقوله: لا فرق بین زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي». والحمد لله رب العالمین.