بسم الله الرحمن الرحيم
البحث التاسع والخمسون
ومن الأخبار الدّالة علی اعتبار التغیّر اللّوني تغیّراً موجباً للنجاسة، صحیحة شهاب بن عبدربه. نقل صاحب الوسائل(ره):
«محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات، عن محمد بن اسماعیل یعني البرمکي، عن علي بن الحکم عن شهاب بن عبدربه، قال: أتیت أبا عبدالله (علیه السلام) أسأله فابتدأني فقال: إن شئت فسل یا شهاب، وإن شئت أخبرناك بما جئت له، قلت: أخبرني؛ قال جئت تسألني عن الغدیر یکون في جانبه الجیفة أتوضّأ منه أو لا؟ قال: نعم، قال: توضّأ من الجانب الآخر إلّا أن یغلب الماء الریح فینتن»؛
وجئت تسأل عن الماء الرّاکد من الکرّ ممّا لم یکن فیه تغیّرٌ أو ریحٌ غالبةٌ قلت: فما التغیّر؟ قال: الصّفرة، فتوضّأ منه، وکلما غلب ]علیه[ کثرة الماء فهو طاهر» عن محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات، عن محمد بن اسماعیل، وهو محمد بن اسماعیل البرمکي، ثقةٌ، عن علي بن الحکم، کوفي من الاجلاء وشهاب بن عبدربه من الاجلاء أیضاً، والروایة تامةٌ السند، إلّا أنّ في سندها تأمّلاً، وإن عبّر المشهور عنها بالصحیحة ویکون النقاش في سندها من جهة نقلها عن محمد بن الحسن الصفار في کتاب بصائر الدرجات. صاحب الوسائل (قدس سره) نقلها عن کتاب بصائر الدرجات، وسند صاحب الوسائل إلی کتاب محمد بن الحسن بن الصفار، هو سند الشیخ ولا سند له غیره.
قال الشیخ في الفهرست: «محمد بن الحسن الصفار القمي له کتبٌ ککتب حسین بن سعیدٍ الأهوازي» الذي له مصنفاتٌ بلغت ثلاثین کتاباً وله مسائل کتب بها إلى أبي محمدٍ الحسن بن علي العسکري (علیه السلام) وقد نقل الشیخ بعضاً منها في التهذیب، قال فیه: «اخبرنا بجمیع کتبه وروایاته ابن أبي الجید، عن ابن الولید، عنه، واخبرنا بذلك ایضاً جماعةٌ عن ابن بابویه، عن محمد بن الحسن الصدوق، «عن محمد بن الحسن» وهو محمد بن الحسن بن الولید «عن محمد بن الحسن الصفار، عن رجاله» قال «إلّا کتاب بصائر الدرجات». «فإنه لم یروه عنه ابن الولید».
فلم ینقل ابن الولید، بصائر الدرجات عن محمد بن الحسن الصفار.
«واخبرنا به الحسین بن عبیدالله، عن أحمد بن یحیی، عن أبیه، عن الصفار» أي أخبرنا ببصائر الدرجات. وهذا هو أحمد نفسه، ولمحمد بن یحیی القمي ابنٌ اسمه أحمد لا توثیق له وکأنّ توسیط أحمدٍ في نقل کتاب بصائر الدرجات تسبّب في ظهور هذا النقاش السندي؛ لأنّ الشیخ قال: «فإنه لم یروه عنه ابن الولید» فینحصر السند بأحمد بن محمد بن یحیی أي أحمد بن محمد بن یحیی، عن أبیه عن الصفار؛ ولذا ظهر النقاش في سند الروایة بسبب توسیط أحمد بن محمد بن یحیی. فالنقاش واقعٌ في سند الروایة، ونصها کما یلي:
قال شهاب بن عبدربه: «أتیت أبا عبدالله (علیه السلام) أساله فابتدأني فقال: إن شئت فسل یا شهاب، وإن شئت أخبرناك بما جئت له. قلت: أخبرني» وشهاب طلب الإخبار من الامام (علیه السلام) لیزداد یقیناً إلی یقینه به.
«قال: جئت تسألني عن الغدیر یکون في جانبه الجیفة أتوضّأ منه أو لا؟» (الغدیر: هو البرکة).
«قال: نعم، قال: توضّأ في الجانب الآخر إلّا أن یغلب الماء الریح فینتن» وجئت تسأل عن الماء الراکد من الکر ممّا لم یکن فیه تغیّرٌ أو ریحٌ غالبةٌ قلت: فما التغیّر؟ قال: الصّفرة…» والتغیّر بالصّفرة تغیّرٌ لوني کما ذکرها، وکانت هناك نصوصٌ روائیةٌ تدلّ علی اعتبار تغیّر الطّعم وتغیّر الرّیح، نحو: «وإن تغیّر الطّعم أو تغیّر الریح» وهٰذه الروایة تدلّ علی اعتبار التغیّر بالصّفرة ومقتضاها سلب التغیّر عن سائر الاشیاء إلّا أنّ الدلیل قائمٌ علی اعتبار التغیّر في الطّعم وفي الرّائحة ومقتضی هٰذه الأدلّة هو انحصار التغیّر بهٰذه الثلاثة: التغیّر اللّوني والتغیّر الطّعمي والتغیّر الریحي. فاستبان أنّ التغیّر اللّوني موجبٌ للنجاسة أیضاً. إنّما یبقی إشکالٌ وهو الإشکال في السند.
إذاً کانت للمسألة جهتان: إحداهما هو کون التغیّر اللّوني مغیّراً ومنجّساً، وقد اثبتنا ذٰلك بروایة مصحّحة أبي بصیرٍ التامة، وتؤیّدها روایة شهاب بن عبدربه إن لم یتمّ سندها، ولکنّ الدّلالة في مصحّحة أبي بصیرٍ تامةٌ وهي:
جواب الامام (علیه السلام) «عن الماء النقیع تبول فیه الدواب» قال (علیه السلام): «إن تغیّر الماء فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغیّره أبوالها فتوضّأ منه» ثمّ قال: «وکذٰلك الدّم إذا سال في الماء وأشباه الدم» ومن الواضح أنّ الدم یغیّر لون الماء نوعاً ویجعله مایلاً إلى الصّفرة فیحکم علیه بالنجاسة. هذا هو التغیّر اللّوني.
الدلیل علیٰ انحصار التغیّر باللّون والطّعم والریح
السؤال المطروح هنا: لماذا لم یؤخذ التغیّر بما عدا الأوصاف الثلاثة من الطّعم والریح واللّون بعین الاعتبار؟
إنّ الدلیل علی عدم اعتبار سائر التّغیّرات هو حصر التغیّر بهٰذه الثلاثة في بعض الروایات کصحیحة ابن بزیع:
«محمد بن الحسن بإسناده، عن أحمد بن محمد» ینقلها الشیخ عن کتاب أحمد بن محمد بن عیسی، وسند الشیخ إلى کتاب أحمد بن محمد بن عیسی صحیح.
«عن محمد بن اسماعیل» هو محمد بن اسماعیل بن بزیع، من الاجلاء ومن أصحاب الامام الرضا (علیه السلام) «قال: ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيء»[1] أي «لا ینجّسه شيء» وسنتکلّم فیه. والمراد بالفساد هو الفساد الحکمي. فلا یفسده شيء «إلّا أن یتغیّر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه لأنّ له مادّة» فهذه الروایة تنص علی التّغیّر الریحي والتغیّر الطّعمي، وتزید روایة أبي بصیر وغیرها التغیّر اللّوني، وأثبتنا أنّ التغیّر اللّوني في حکم التغیّر الریحي والطّعمي. قوله (علیه السلام): «لا یفسده شيء» یدلّ علی عدم تأثیر سائر التغیّرات.
هٰذه الروایة تدل علی حصر التغیّر بهٰذین الموردین، وثمّة دلیلٌ علی اعتبار التغیّر اللّوني أیضاً، وسنذکر إن شاء الله تعالیٰ أنّ ماء البئر حسب کلامه لا خصوصیة له، بل المراد هو الماء المعتصم بقرینة «لأنّ له مادة» فکلّ ماءٍ معتصمٍ تغیّر لونه أو طعمه أو ریحه بعین النجاسة کان محکوماً بالنجاسة.
فتتم هاتان الجهتان الدّالتان علی کون التغیّر اللّوني منجّساً کالتغیّر الطّعمي والریحي، ولا یکون ما عداها من سائر التغیّرات منجّساً مضافاً إلى ما أفاده صاحب المدارك وغیره من ثبوت مطلقاتٍ في المقام ولکن سنقول أنه لا وجه لهذا الکلام. والحمد لله ربّ العالمین.
[1]– جاء في الاستبصار للشیخ «لا ینجسه» بدلا من «لا یفسده» وجاء في التهذیب «لا یفسده»…