بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (70)
الدلیل علی اعتبار التغیّر الحسّي
إذا جعل الشارع أمراً حسّیاً، موضوع الحکم أو قید الموضوع في خطابه فإنّ ظاهر هذا الخطاب یقتضي إدراك ذاك الأمر الحسّي بالحسّ من دون أن یکون الاقتضاء بمعنی مدخلیة الحسّ فیه. فعدم الادراك بالحس أو ترك الحسّ لا یوجب عدم تمامیة الموضوع.
فالأمر الحسّي إن کان موجوداً في الخطاب فهو یکون قیداً واقعیاً للحکم أو لموضوع الحکم إلّا أنّ ظاهر الخطاب یقتضي أن یکون القید الواقعي قابلاً للإدراك الحسّي؛ کما لو کان المأخوذ امراً قابلاً للإدراك البصري کرؤیة الهلال أو التغیّر القابل للمشاهدة في لون الماء. فالاستهلال والتغیّر قابلان للادراك البصري، وظاهر الخطاب هو عدم مدخلیة الحسّ وعدم أخذ الحسّ في ثبوت الحکم. نعم، یجب أن یکون الأمر الحسّي قابلاً للإدراك الحسّي بحیث لو رأوه وأحسّوه لأدرکوه. هذا هو ظاهر الخطاب.
وأمّا في التغیّر الواقعي فالمفروض هو عدم قابلیة الأمر الحسّي للإدراك الحسّي إلّا بالآلات، وبناءً علیه ینصرف الخطاب المأخوذ في التغیّر عن مثل هذا التغیّر الواقعي الذي لا یقبل الحس، وبتعبیرٍ آخر: أنّ التغیّر المستکشف بالبرهان أو بالمجهر لا یوجب تنجّس الماء، وأنّ الخطاب منصرفٌ عنه ومنصرفٌ إلى حصّةٍ من التغیّر الذي لو نظروا إلیه لرأوه کما في التغیّر اللّوني أو لو شمّوه وأذاقوه لأدرکوا الرائحة والطّعم فیه. هذه قاعدةٌ کلیةٌ لا تختصّ بالموارد المذکورة، بل تشمل غیرها أیضاً. فإذا أخذ الأمر الحسّي في خطاب التکلیف قیداً لموضوع الحکم أو قیداً للحکم أو قیداً للمتعلق ـ من دون فرقٍ بینها ـ فظاهر الخطاب هو التقیید بالوجود الواقعي له. هذه قاعدةٌ کلیةٌ ولا مدخلیة للحسّ في الأمر الحسّي المأخوذ في خطاب الحکم؛ لأنّ الحسّ طریق. فالمراد هو الحصّة القابلة للحسّ من الوجود الواقعي أي الحسّ المجرد لا الحسّ المدرك بالآلة.
وأمّا التغیّر الذي لا یکون قابلاً للإدراك الحسّي إلّا بمساعدة الآلة أو البرهان فهو خارجٌ عن موضوع الحکم. کما أنّ الدمّ المصبوب علی الماء أحمر لا محالة ویتغیّر لون المقدار الذي أصابه الدّم لا محالة، ویستحیل برهانیاً أن یوجد الشيء ـ کالدّم ـ ولم یوجد أثره وهو التغیّر. فکلّ أمرٍ أدرك تأثیره بالبرهان أو أحسّ بالآلة فهو خارجٌ عن موضوع ا لحکم.
هذا هو قسمٌ من التغیّر الحسّي في مقابل التغیّر الواقعي.
التغیّر الحسّي والتغیّر التقدیري
یطلق التغیّر الحسّي تارةً في مقابل التغیّر التقدیري، کما لو صبّ علی الماء الکثیر مقدارٌ من البول مسلوب اللون والرائحة بحیث لم یغیّر لون الماء لخلوّه من اللّون ولم یغیّر طعم الماء لخلوّه من الطّعم، ولٰکن کان یغیّر الماء لو لم یکن البول مسلوب اللّون ومسلوب الرائحة.
هذا القسم من التغیّر داخلٌ في التغیّر الحسّي والفعلي في مقابل التغیّر التقدیري ویعبّر عن التغیّر الحسّي بالتغیّر الفعلي.
وقد نسب إلى العلامة في القواعد وغیّره القول بکفایة التغیّر التقدیري في تنجّس الماء المعتصم. ولعلّ هذه النسبة في محلها، وقد أیّد کلامه بعض من تأخّر عنه (التغیّر التقدیري بالمعنی الثاني الذي ذکرناه موجبٌ لتنجّس الماء فهذا البول کان ینجّس الماء لو لم یکن مسلوب الرائحة أو مسلوب اللّون وهو ینجّس الماء أیضاً حین کونه مسلوب اللون ومسلوب الرائحة).
وقد ظهر في ضوء ما بیّناه سابقاً في ردّ تأثیر التغیّر الواقعي في مقابل الحسّي أنّ التغیّر لابد أن یکون فعلیاً ولا یکفي التغیّر التقدیري. لماذا؟ لأنّ ظاهر کلّ عنوانٍ اخذ قیداً في موضوع الحکم أو في نفس الحکم أو في الخطاب وان کان مأخوذاً في متعلق الحکم، هو فعلیة ذلك القید إي لابد أن یکون القید فعلیاً ولا عبرة بالوجود التقدیري، فالقید بوجوده الفعلي دخیلٌ في الحکم أو دخیلٌ في الموضوع، وأما وجوده التقدیري فلا یفید شیئاً.
دلیل القائل بکفایة التغیّر التقدیري والإشکال علیه
وکأنّ الدّلیل في کلام من أراد أن یأتي بوجهٍ لکفایة التغیّر التقدیري هو الالتزام بأنّ التغیّر لیس موضوعاً لتنجّس الماء. فما ینجّس الماء هو الکم المصبوب من النجاسة علیه، ومن أین نعلم أنّ هذا الکم من النجاسة التي تنجّس الماء به قد أصاب الماء؟ نستکشف وجود ذلك الکم بالتغیّر. فإذا حصل التغیّر في أحد الأوصاف الثلاثة للماء ٱستکشفنا من هذا التغیّر أنّ کمّاً من النجاسة موجودٌ في الماء وموجبٌ لتنجّس الماء، وبناءً علیه لو فرضنا وجود ماءین متساویین من حیث الوزن والکم وصبّ علی أحدهما بولٌ مسلوب الطعم واللّون وصبّ علی الآخر بولٌ ذا لونٍ ورائحةٍ وکان البولان متساویین من حیث الکم فغیّر البول الثاني ـ إي الذي کان له لونٌ وطعمٌ ـ الماء، ولکنّ البول الاول لم یغیّر الماء، حکم بنجاسة کلا الماءین ـ کما قالوا ـ لأنهما متساویان في الکم ولا فرق بینهما من حیث المقدار، والنجسان أیضاً متساویان من حیث الکم فلابد من الحکم بنجاسة کلا الماءین. والحمد لله ربّ العالمین.