استصحاب العدم الأزلي (ج 104)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (104)

كلام المرحوم النائيني (قدس سره) في استصحاب العدم الازلي في القضية المعدولة

نعم، إنّ المرحوم النائيني أنكر جريان الاستصحاب في الأعدام الازلية هنا وادعى شيئا آخر، وقال: إنّ استصحاب العدم الازلي لا يجدي نفعاً؛ لأنّ مفاد عدم الوصف المأخوذ في موضوع الحكم هو مفاد «كان الناقصة» كالمرأة المتصفة بعدم القرشية والماء المتصف «بأنّه ليس له مادة». فإنّ القضية في الحقيقة هي قضيةٌ معدولةٌ، وموضوع الحكم في هذه الموارد هو مفاد «كان الناقصة» والعدم عدمٌ نعتي. فموضوع الحكم هو العدم النعتي. (ماءٌ متصفٌ بعدم الكرية أو بعدم المادة، وامرأةٌ متصفةٌ بعدم القرشية» ومفاد المستصحب مفاد «ليس التامة»: لم تكن قرشية المرأة حينما لم تكن امرأة، فمفاد القرشية مفاد «ليس التامة» ولها حالةٌ تامةٌ، فالاستصحاب لا يجدي نفعاً. فإذا قلنا بعد وجود المرأة: إنها لم تكن فلم تكن قرشيتها، والآن لا تكون قرشيتها لم يثبت ذلك اتصاف المرأة بعدم القرشية إي لا تثبت بذلك هذه القضية المعدولة، كما نعبر نحن بها أو لا يثبت بذلك ارتباط عدم الوصف بالموصوف كما تعبرون، وكما عبّر به بعض، (عبّر بما شئت) فاستصحاب «ليس التامة» لا يثبت به الاتصاف بالعدم النعتي أو القضية المعدولة التي مفادها «كان الناقصة».

هذا هو المتحصل من كلام المرحوم النائيني (قدس سره).

عدم موضوعية القضية المعدولة لحكم الشرع

وفي مقام الرد نسأله من أين أتت هذه القضية المعدولة؟ إنّ القضية المعدولة ليست هي موضوع الحكم. نعم، لو كانت القضية ‌المعدولة هي موضوع الحكم لما أجدى الاستصحاب في العدم الازلي؛ إذ لا تثبت به القضية المعدولة التي يتصف الموضوع الموجود فيها بعدم الوصف، ويعبّر عنها بالعدم النعتي، ولكن من ادعى في المقام أنّ موضوع الحكم هو القضية المعدولة؟ إنّ المستفاد من الادلة هو حكم الشارع في امرأةٍ موجودةٍ غير القرشية حيث قال: «كلّ امرأةٍ تحيض إلى خمسين سنةٍ إلا القرشية ‌التي تحيض إلى ستين سنة» والجمع بینهما يحصل بوجود المرأة وعدم کونها قرشية، فيسلب عنوان القرشية عنها ولا تتصف المرأة بالسلب، فهذا الاتصاف غير مأخوذ فيها.

نعم، لم تكن قرشيتها حين لم تكن نفسها، ولكنا نقطع بأنّ العدم ليس موضوع الحكم، بل موضوع الحكم امرأةٌ موجودة. («كلّ امرأة» أي امرأةٌ خارجية) لم يكن موضوع الحكم حين لم تكن المرأة، وهذا أمرٌ مسلّم، ولكن موضوع الحكم هو امرأةٌ موجودةٌ سلبت عنها القرشية، ولا يستفاد من ذلك اتصافها بالسلب إذ يعوزه دالٌ، ولا يستفاد أزيد من هذا المعنى من العام الواجد لعنوان المخصص، سواءٌ كان المخصصٌ متصلاً أو منفصلاً.

لا تقل: إنّ اتصاف الوصف في جانب الوجود مأخوذ؛ لأنّ ما ورد في النص هي امرأةٌ موجودةٌ متصفةٌ بالقرشية، أي منتسبةٌ إلى قرشي، فالاتصاف دخيلٌ فيها؛ لأنا نقول: نعم، إنّ الامر كذلك في جانب الوصف؛ لأنّ الوصف يفتقر إلى المعروض، والوصف عرضٌ لا يوجد من دون معروض، واما عدم العرض فلا حاجة له إلى الموضوع. قال الشارع: «كلّ امرأةٍ تحيض إلى خمسين» ثمّ قال: «القرشية تحيض إلى ستين» أي إن انتفت القرشية حاضت إلى خمسين.

فهذه امرأةٌ مسلوبة القرشية.

التمايز بين «ليس التامة» والقضية المعدولة والقضية المحصلة

وبتعبيرٍ آخر تتوفر لدينا ثلاثة أشياءٍ لابد من التمايز بينها: إحداها «ليس التامة» حيث لم تكن قرشية المرأة والآن كما كان. ثانيتها القضية المعدولة. حيث تتصف المرأة بعدم القرشية أو يتصف الماء بعدم وجود مادةٍ له، ثالثتها القضية السالبة بانتفاء المحمول، وهي التي نعبر عنها بالمحصلة أيضاً. نحن نقول إنّ موضوع الحكم سالبٌ بانتفاء المحمول، وليس هنا قضيةٌ معدولةٌ ولا ليس التامة. «إن لم تكن القرشية لم تكن المرأة»، «لم تكن القرشية لأنّ المرأة لم تكن» هذا ليس بموضوع الحكم؛ لأنّه مفاد «ليس التامة» وليست القضية المعدولة وهي المرأة المتصفة بعدم القرشية موضوع الحكم؛ إذ لا دليل عليه. فإذا قال: «كلّ امرأةٍ تحيض إلى خمسين إلّا القرشية» أو جاء في خطابٍ منفصل: «القرشية تحيض إلى ستين سنة» اقتضى الجمع بين الدليلين أن تكون القضية سالبةً محصلة، ويكون موضوع الحكم سالباً بانتفاء المحمول. «امرأةٌ موجودةٌ مسلوبة قرشيتها» وتكون لسلب القرشية عن هذه المرأة حالةٌ سابقة؛ عندما لم تكن المرأة نفسها كانت قرشيتها مسلوبةً أيضاً، والمرأة موجودةٌ حالياً ولا توجد الآن أيضاً القرشية المعدومة سابقاً. ثمّ إنّ «ليس التامة» هو مفاد السالب بانتفاء المحمول بالاضافة إلى إحراز وجود الموضوع فيتم الموضوع، ولا إشكال في جريان الاستصحاب. وفي المقام نقول: لم تكن للماء مادةٌ إذ لم یكن ماء، والمادة موجودٌ حالياً، ونحتمل بقاء عدم المادة على حالته الأولىٰ. فالموضوع موجودٌ فيستصحب «ليس التامة» والمفاد هو مفاد السالب بانتفاء المحمول. هذا أولاً. طبعاً استعرضنا المطلب باختصار، وتفصيل الكلام في استصحاب العدم الازلي وهو موكولٌ إلى محله في أصول الفقه. والحمد لله ربّ العالمين.