أدلة اعتصام الماء الجاري (ج 95)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث (95)

إنّ الامام (علیه السلام) في هذه الرواية يكون في مقام بيان اعتصام الماء المتوفر في الحياض الصغار، واما اعتبار الكرية في اعتصام نفس الماء الجاري وعدم اعتبارها واعتصامه مع القلة وعدم اعتصامه فليست الرواية في مقام بيان حكم الماء الجاري حتى يصحّ التمسك بإطلاقه؛ لأنّ المعنى المرتكز في ذهن السامع هو تقوّم بعض الماء الجاري ببعضه، والكلّ يعلم أنّ بعض الماء الجاري وهو الموجود في سوافل الماء الجاري وحوله يتقوّم بالماء الجاري. فبالنظر إلى هذا المعنى المفروض الارتكازي أراد الامام (علیه السلام) أن ينزل ماء الحمام منزلة الماء الجاري لإفهام تقوم ماء ‌الحياض الصغار، وليست الرواية في مقام بيان اعتبار بلوغ المجموع حدّالكرّ وعدم اعتباره في اعتصام الماء الجاري وتقوم السوافل والحوالي بالماء الجاري، فلم تتوفر مقدمات الاطلاق هنا في جانب الماء الجاري؛ لأنّ إحدى المقدمات هي احراز كون المولى في مقام بيان الحكم، والامام (علیه السلام) ليس في مقام بيان حكم الماء الجاري في هذه الرواية، بل هو في مقام التصريح بالتقوّم.

الشاهد على كون رواية ابن سرحان في مقام بيان حكم ماء الحمام

والشاهد على تقوم بعض الجاري وهو ماء السوافل والحوالي بالبعض الآخر واتصاله به حسب المعنى ‌المرتكز وتنزيل الامام (علیه السلام) ماء الحمام منزلة الماء الجاري، هو تشبيهٌ وتنظيرٌ جاء في بعض الروايات الواردة في ماء الحمام، حيث شبّه الامام (علیه السلام) فيها ماء الحمام بماء النهر، وقال (علیه السلام): «إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً» أي لا ينجس بعضه بسبب بعضه الآخر؛ لأنّ الاتصال يمنع عن انفعال ماء النهر وإن لاقىٰ بعضه نجساً. فماء الحمام بمنزلة ماء النهر في الاعتصام بسبب اتصال البعض ببعضٍ وإن كان النهر منهدراً من ذوبان الثلوج وهطول الامطار، والحاصل أنّ وزان رواية ابن سرحان وزان هذه الرواية.

فلابد من اتصال ماء الحياض بماء الخزانة، حيث يبلغ مجموع الماءين حدّ الكر، ولا يحكم باعتصام الماء إذا لم يبلغ ماء الخزانة ولا ماء الحياض الصغار ولا المجموع منهما حدّ الكر؛ لأنّ السبب في الاعتصام هو اتصال ماء الحياض الصغار بماء الخزانة كاتصال بعض الجاري ببعضه الآخر أو كاتصال بعض النهر ببعضه الآخر، ولكن لابدّ في اعتصام النهر من بلوغه حدّ الكر، ولابدّ في اعتصام الجاري من بلوغه حدّ الكر، كما ذكرنا في محله ولا تنفيه هذه الروايات حسبما أفاده العلامة(ره).

التمسك بصحيحة ابن بزيعٍ لاثبات اعتصام الماء الجاري

فإلى هنا لو كنا نحن وهذه الأدلة لما تمكنا من إثبات اعتصام الماء الجاري من دون فرقٍ بين قليله وكثيره، لكنّ العمدة في المقام هي صحيحة محمد بن بزيعٍ الواردة في ماء البئر فنتمسك بها لاثبات اعتصام الماء الجاري بلا فرقٍ بين قليله وكثيره، وهي كما يلي: «عن المفيد عن ابن قولويه» نقل الشيخ هذا الخبر عن أستاذه المفيد «عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن قولويه» كان من تلامذة سعد بن عبدالله الاشعري القمي «عن أحمد بن محمد» والظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عيسى، ولا بأس أيضاً إن كان أحمد بن محمد بن أبي عبدالله «عن محمد بن اسماعيل بن بزيع».

هذه الرواية صحيحة السند جاء فيها: «ماء البئر واسعٌ لا يفسده شيءٌ إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة».

إنّ مراد الامام (علیه السلام) من قوله: «ماء البئر واسع» ليس الواسع الخارجي، بل المراد من الواسع هو عدم فساد ماء البئر واعتصامه، حيث عبّر (علیه السلام) عنه بقوله: «لا يفسده شيء» فالامام (علیه السلام) في مقام بيان الحكم، ومن الواضح أنّ الآبار في الخارج مختلفةٌ حسب كمية مياهها، فمنها كثيرة الماء ومنها قليلة الماء، فليس المراد من الواسع السعة الخارجية؛ لأنّ بيانها دون شأن الامام (علیه السلام) بل المراد منه هو السعة الحكمية، فلا ينفعل و«لا يفسده شيء» ثمّ قال (علیه السلام): «لا يفسده شيءٌ إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح» لأنّ ماء البئر ينفعل بالتغير، وإن كان معتصماً فينزح حتى يزول تغيره.

اذن فلماء البئر خصوصيةٌ.

ثمّ ما هو مصدر هذه السعة الحكمية في ماء البئر؟

إنّ وجهها هو قول الامام في ذيل الرواية: «لأنّ له مادة» فليس لماء البئر خصوصيةٌ توجب السعة الحكمية فيه إلّا من جانب مادته.

عدم مدخلية صفة‌ الجريان في اعتصام الماء‌ الجاري

وظهر من هنا أنّ صحيحة محمد بن بزيعٍ تشمل الماء الخارج من المادة وإن كان غير جارٍ لضعفه كما يشاهد ذلك في القرى، حيث تتجمع المياه الارضية على شكل مستجمعاتٍ غير جاريةٍ لضعفها. فهذه الصحيحة أدلّ دليلٍ على عدم مدخلية الجريان في اعتصام الماء الجاري. والحمد لله ربّ العالمين.