أحکام المیاه (ج 67)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع والسّتّون

أحکام المیاه

مسألة 9: «الماء المطلق بأقسامه ـ حتّی الجاري منه ـ ینجس إذا تغیّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة: من الطعم والرائحة واللّون، بشرط أن یکون بملاقاة النجاسة، فلا یتنجّس إذا کان بالمجاورة، کما إذا وقعت میتةٌ قریباً من الماء فصار جائفاً، وأن یکون التغیّر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس، فلو وقع فیه دبسٌ نجسٌ فصار أحمر أو أصفر لا ینجس إلّا إذا صیّره مضافاً. نعم، لا یعتبر أن یکون بوقوع عین النجس فیه. بل لو وقع فیه متنجسٌ حاملٌ لأوصاف النجس فغیّره بوصف النجس تنجّس أیضاً، وأن یکون التغیّر حسّیاً، فالتقدیري لا یضر، فلو کان لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فیه مقدارٌ من الدّم کان یغیّره لو لم یکن کذلك لم ینجس، وکذا إذا صبّ فیه بولٌ کثیرٌ لا لون له بحیث لو کان له لونٌ غیّره، وکذا لو کان جائفاً فوقع فیه میتةٌ کانت تغیّره لو لم یکن جائفاً وهٰکذا، ففي هذه الصّورة ما لم یخرج عن صدق الإطلاق محکومٌ بالطّهارة علی الأقویٰ».

الرأي المنسوب إلى شیخ الطائفة(ره)

نسب إلى شیخ الطائفة[1] القول بتنجّس الماء بالتغیّر وإن کان التغیّر حاصلاً من أوصاف المتنجّس. فإن التزم به الشیخ(ره) ـ وهو غیر ثابتٍ ـ أو التزم به شخصٌ آخر فما یمکن أن یستدل به علی النجاسة في هذا الفرض هو أمران:

الاول: الروایة النبویة التي سبق ذکرها: «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شيءٌ إلّا ما غیّر طعمه أو لونه أو ریحه». کأنّ الماء في هذا الخبر مطلقٌ یشمل عین النجس والمتنجس ویدخل المتغیّر بالمتنجّس في المستثنی بناءً علی إطلاق الخبر کما في التغیّر بالثوب المصبوغ.

الثاني: الوجه الآخر لما یمکن أن یصلح دلیلاً هو التمسّك بالاستثناء الوارد في صحیحة ابن بزیعٍ: «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا إذا تغیّر فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه» فالتغیّر مطلقٌ وأعمّ من أن یکون التغیّر بعین النجاسة ‌أو بالمتنجّس الحامل لأوصاف عین النجس أو بنفس المتنجّس بما هو. فکأنّ التغیّر الوارد في صحیحة ابن بزیعٍ مطلقٌ ولم یقیّد بـ«إلّا إذا تغیّر بأوصاف النجاسة» أي لم یقیّد بالتغیّر الحاصل من أوصاف عین النجس أو من أوصاف المتنجّس.

وأما سائر الروایات المفروض فیها تغیّر الماء في طعمه أو ریحه وحتی الروایة الواردة في التغیّر باللّون فهي صریحةٌ في عین النجس نحو قوله (علیه السلام) في المیتة: «کلّما غلب ریح الماء علی ریح الجیفة» والمراد من ریح الجیفة هو المیتةٌ، وقوله (علیه السلام): «هکذا إذا سال الدّم إن لم یغیّره أبوالها» فالبول یغیّر الماء، وتدل روایاتٌ أخری علی ملاقاة الماء لعین النجاسة وکأنّ التغیّر مطلقٌ في هاتین الروایتین فقط.

الرد علی دلیل الشیخ(ره) في مسألة تنجّس الماء عند التغیّر بأوصاف المتنجّس

أمّا الروایة النبویة فقد تقدم أنّه لا یمکن الاعتماد علیها ولا یجوز الفتوی بالتنجّس ٱستناداً إلى خصوصیةٍ مستفادةٍ منها فقط وغیر مستفادةٍ من سائر الروایات.

ففي صحیحة ابن بزیعٍ قرینةٌ جلیّةٌ تدلّ علی أنّ المراد من التغیّر هو التغیّر بأوصاف عین النجاسة، وهي مذکورةٌ في ذیل الروایة: «فینزح حتی یذهب الریح ویطیب الطّعم» فالتغیّر الطّعمي والریحي المذکور في الصحیحة هو التغیّر الطّعمي والریحي بسبب عین النجاسة التي تکون داخلةً في عنوان الجیفة کمیتة الحیوان التي تغیّر طعم الماء. «حتی یذهب الریح ویطیب طعمه» وأما المتنجّسات کالدّبس المتنجّس أو الثوب المصبوغ المتنجّس المغیّر للون الماء قلیلاً فلا یصدق علیه ذهاب الریح وطیب الطّعم.

ومن نظر إلى الأخبار الواردة في نزح البئر قطع بأنّ المفروض في تلك الروایات هو وقوع عین النجس في البئر، كالميتة لأنّ ما ینتنّ الماء ویفسد طعمه ويجعله ذا رائحةٍ كريهةٍ هو عين النجس هكذا والعذرة الکثیرة، بحیث یغلب ریحها ریح الماء بعد بقائها في الماء، فخبث الطّعم والریح یثار من عین النجس، ومن لاحظ روایات النزح تیقّن بأنّ مفروض الروایات هو وقوع عین النجاسة کالحیوان والعذرة وغیرها في البئر.

إذاً إطلاق قوله (علیه السلام): «ماء البئر واسعٌ لا یفسده شيءٌ إلّا إذا تغیّر» لا یشمل المتنجس إن لم یکن حاملاً لأوصاف عین النجس.

سرایة النجاسة من عین النجس والمتنجس وعدم سرایتها

فقد قلنا: إنّ الماء المتغیّر بعین النجاسة داخلٌ في أخبار الباب لا محالة وللتغیّر بالمتنجّس الحامل لأوصاف عین النجاسة فرضان:

الفرض الأول: هو ما إذا صبّ مثل الدّم والبول في الماء وصار الماء أصفر بوقوع الدّم أو البول فیه، فهذا الماء محکومٌ بالنجاسة لحدوث التغیّر فیه بعین النجس، ولو نزحنا مقداراً من هذا الماء المتنجّس وصببناه علی ماءٍ آخر فتغیّر لونه، تنجّس الماء الثاني أیضاً لأنّ سرایة الدّم المصبوب في الماء الأول انتشاریة، لظهور الصفرة فیه، وحینئذٍ إذا صببنا مقداراً من هذا الماء الأصفر علی الماء الآخر صدق عنوانه علی الماء الآخر أیضاً «وکذلك إذا سال الدّم في الماء» فیقال هذا الماء الثاني تغیّر بالدّم؛ لأنّ الماء الأوّل تغیّر بالدّم، والإجزاء داخلٌ في مدلول الاخبار أیضاً. «وکذلك إذا سال الدّم في الماء وأشباه الدّم» من بولٍ وغیره.

الفرض الثاني: هو السّرایة بالخاصّیة لا بالانتشار کما لو ألقیت میتة الحیوان في الماء وتغیّر الماء بها بعد بقائها فیه ونزح مقدارٌ من الماء المتغیّر وصبّ علی کرٍ آخر فتغیّر الکرّ الثاني أیضاً.

وقالوا إنّ الروایات لا تشمل هذا الفرض؛ لأنّ مدلول الأخبار هو فرض ملاقاة الماء لعین النجس وتغیّر الماء بالمیتة ونحوها، ومن الواضح أنّ الماء الثاني لم یلاق المیتة ولا تشمله المطلقات[2] لعدم تمامیّتها والنبوي ضعیف السّند وکأنّ صحیحة ابن بزیعٍ لا تشمل هذا الفرض أیضاً، ولکنّ الظاهر من عبارة السید في العروة هو الحکم بالنجاسة في المقام. قال: «وأن یکون التغیّر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجّس… نعم، لا یعتبر أن یکون بوقوع عین النجس فیه، بل لو وقع فیه متنجّسٌ حاملٌ لأوصاف النجس فغیّره بوصف النجس تنجّس أیضاً».

فلو تغیّر الماء المعتصم بالمتنجس الکر أو غیر الکر تنجّس. فلعبارة السید(ره) في العروة إطلاقٌ بالنسبة للمتنجّس الحامل لأوصاف النجاسة، فهو أعمّ من السّرایة الانتشاریة لحامل أوصاف النجاسة ـ کما ذکر في الفرض الأوّل ـ والسرایة بالخاصّیة له ـ کما ذکر في الفرض الثاني. هذا هو ظاهر عبارة العروة. والحمد لله ربّ العالمین.


[1]– جاء في مستند الشیعة: «….

ونقل في الجواهر ما نسب إلى الشیخ ما هذا نصه: «…..

[2]– و من المطلقات هذه الروایة…..