بسم الله الرحمن الرحيم
البحث السابع والعشرون
احكام الماء المضاف
مقتضی روایة جابر الجعفي في باب وجوب الاجتناب عن الملاقي
قلنا إنّ صاحب الوسائل(ره) نقل روایة جابرٍ في باب انفعال المضاف وربّما توهم هذه الروایة أنّ الاجتناب عن ملاقي عین النجس من مقتضیات وجوب الاجتناب عن عین النجس، وكما أنّ امتثال هذا الحكم یتحقق بالاجتناب عن عین الدم مثلاً وعدم أكله كذلك یقتضي هذا الحكم الاجتناب عن ملاقي الدم وحرمة اكله. فمن أكل المرق الذي وقعت فیه الفأرة فقد خالف حكم (إنما حرّم علیكم المیتة)
هذا هو مقتضی الروایة علی ما قیل لأنّ السائل سأل عن خابیةٍ فیها سمنٌ أو زیتٌ وقال الفأرة أهون عليّ من أن اترك طعامي فقال له الامام (علیه السلام) «انك لم تستخفّ بالفأرة انما استخففت بدینك إنّ الله حرّم المیتة من كلّ شيء».
مقتضی روایة جابرٍ في باب ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة
إنّ ثمرة النزاع تظهر في باب ملاقي الشبهة المحصورة. فإن قلنا ـ تبعاً للمشهور وهو الرأي الصحیح ـ بأنّ الاجتناب عن الملاقي حكمٌ آخر غیر حكم الاجتناب عن عین النجس وإنّ حكم وجوب الاجتناب عن الدم لا یقتضي الاجتناب عن ملاقیه إن كان الدم مستهلكاً فیه فیرجع فیه إلی أصالة البراءة. فلو فرضنا حدوث العلم الاجمالي بنجاسة أحد اللّحمین المشتبهین وعدم العلم التفصیلي بأنّ هذا اللحم میتةٌ أو ذاك، ثمّ لاقی أحدهما شيءٌ طاهرٌ یجب الاجتناب عن الملاقي بناءً علی القول بأنّ الاجتناب عن ملاقي عین النجس من مقتضیات وجوب الاجتناب عن عین النجس، بیان ذلك:
أنّ استصحاب عدم التذكیة جارٍ في هذا اللّحم وذاك اللّحم، وحینئذٍ إن كانت المیتة بمعنی ما لم یقع علیه التذكیة فیثبت بالاستصحاب أنّ كلا اللحمین میتةٌ، ویعتبر ملاقي أحدهما بالوجدان ملاقي المیتة، وهو نجسٌ یجب الاجتناب عنه بناءً علی القول بأنّ الاجتناب عن ملاقي عین النجس من مقتضیات وجوب الاجتناب عن عین النجس.
وإن كانت المیتة بمعنی ما زهقت روحه مستنداً إلى غیر التذكیة فاستصحاب عدم التذكیة یثبت أنّ هذا اللّحم لیس بمذكیٰ، وأنّ ذاك اللّحم لیس بمذكیٰ، فلا یجوز اكل أي واحدٍ منهما، لكنّ هذا الاستصحاب لا یثبت كون اللّحم میتةً، لانّه أصلٌ مثبت[1]، فغیر المذكیٰ یكون موضوعاً للحرمة لا موضوعاً للنجاسة، وحینئذٍ لو لاقی المضاف أو غیر المضاف أحد اللحمین، وقلنا بأنّ حرمة أكل الملاقیٰ (بالفتح) تقتضي حرمة أكل الملاقي، وجب الاجتناب عن الملاقي، وإن قلنا بأنّ حرمة أكل الملاقیٰ (بالفتح) لا تقتضي حرمة اكل الملاقي لم یجب الاجتناب عنه ویجوز أكله؛ لأنّ الاجتناب عن الملاقي حكمٌ آخر فیرجع فیه إلی أصالة الطهارة وأصالة الحلیة، وهذان الاصلان جاریان في الملاقي ولا معارض لهما.
الاجتناب عن الملاقي من شؤون الاجتناب عن الملاقیٰ (بالفتح)
قد سبق أنّ ما توهم من روایة جابر الجعفي هو أنّ الاجتناب عن الشيء یقتضي الاجتناب عن ملاقیه، ومقتضی وجوب الاجتناب عن هذا اللحم وذاك اللحم وتنجز وجوب الاجتناب عنهما هو الاجتناب عن الملاقي ولزوم مخالفة نفس التکلیف لا تکلیفاً آخر حین عدم الاجتناب عن الملاقي، فهل یمكن الالتزام بما توهم من الروایة أم لا؟
ضعف سند روایة جابرٍ وعدم دلالتها علی الحرمة التكلیفیة
سند هذه الروایة ضعیفٌ أولاً، ولا دلالة لها علی المدّعی المتوهم منها ثانیاً؛ لأنّ التحریم في قوله تعالی: (إنّما حرّم علیكم المیتة) إن كان تحریماً تكلیفیاً فیفهم منه أنّ معنی تحریم المیتة هو حرمة أكلها وحرمة اكل ملاقیها. لكنّ هذا التحریم تحریمٌ وضعي. (إنّما حرّم علیكم المیتة) أي «إنّ الله حكم بنجاسة كلّ میتة» ما عدا میتة ذوات النفس غیر السائلة؛ ولهذا قال الامام (علیه السلام) للسائل: «انّما استخففت بدینك» لأنّ الله جعل المیتة منجّسةً وحكم بنجاسة ملاقیها، والسائل إنّما استخفّ بهذا الحكم.
وهذا هو المعنی الصحیح للروایة، ویجب حمل «حرّم» علی «نجّس» ـ إذا كان سند الروایة صحیحاً ـ ولا ینافي رأي المشهور القائل بأنّ الاجتناب عن الملاقي أي الوجوب التكلیفي أو الحرمة التكلیفیة المتعلقة بالملاقي هو حكمٌ آخر غیر الحكم التكلیفي المتعلق بالملاقیٰ (بالفتح)؛ لأنّ ظاهر الادلة الدالة علی تحریم المیتة هو الحرمة التكلیفیة المتعلقة بالمیتة و«ملاقي المیتة لیس بمیتةٍ، وملاقي الخمر لیس بخمر» وتلك الخطابات لا تشمل الملاقي، بل یستفاد حكم الملاقي من أدلةٍ أخری كقوله (علیه السلام): «أمّا الزیت فلا تبعه إلّا للسراج» أو «یهراق مرقها» ونحو ذلك لأنّه حكمٌ آخر. ففي ملاقي الشبهة المحصورة یطرأ الشك في هذا الحكم الآخر؛ لأنّ الملاقي كان طاهراً قبل الملاقاة، وعروض نجاسته شبهةٌ بدویةٌ لا تدخل في اطراف العلم الاجمالي المنجز فیرجع فیه إلی أصالة الطهارة وأصالة الحلیة. والحمد لله ربّ العالمین.
[1] . المیتة مصطلح فقهي في مقابل المذكیٰ ولها معنیان؛ إما ان تكون المیتة بمعنی ما مات ولم تقع علیه التذكیة، والمذكیٰ بمعنی ما مات ووقعت علیه التذكیة، وإما ان تكون المیتة بمعنی ما مات وزهقت روحه مستنداً إلی غیر التذكیة، والمذكیٰ بمعنی ما مات وزهقت روحه مستنداً إلی التذكیة. والثمرة تظهر عند الشك في تذكیة الحیوان فبناءً علی المعنی الاوّل یثبت باستصحاب عدم التذكیة ان الحیوان میتة لا یجوز اكله ویحكم بنجاسته وبناءً علی المعنی الثاني لا یثبت كون الحیوان میتة باستصحاب عدم التذكیة؛ لأنّ الاستصحاب هنا اصل مثبت. فهذا الاستصحاب یثبت لنا أنّ زهوق الروح لم یكن مستندا الی التذكیة ولا یثبت كون الحیوان میتة؛ لأنّ نفي أحد السببین لا یثبت السبب الآخر إلّا بالملازمة العقلیة، والاستصحاب لا یثبت الملازمات العقلیة فلا تجوز الصلاة في جلده ویحرم اكل لحمه وشحمه ولكن لا یحكم بنجاسته.