بسم الله الرحمن الرحيم
البحث الرابع والعشرون
احكام الماء المضاف
مسألة 1: «الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر، لكنه غیر مطهرٍ من الحدث ولا من الخبث ولو في حال الاضطرار، وإن لاقی نجساً تنجس، وإن كان كثیراً، بل وإن كان مقدار ألف كرٍ فإنّه ینجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرة في أحد اطرافه فینجس كلّه، نعم، إذا كان جاریاً من العالي إلی السافل، ولاقی سافله النجاسة لا ینجس العالي منه، كما اذا صبّ الجلاب من ابریقٍ علی ید كافرٍ فلا ینجس ما في الابریق وإن كان متصلاً بما في یده».
تنجس المضاف من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره
الأمر الثالث الذي یذكره صاحب العروة(ره) هو تنجس المضاف بإصابة النجس أو المتنجس له من غیر فرقٍ بین قلیله وكثیره وإن كان مقدار ألف كرٍّ فإنه ینجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرةٍ في أحد اطرافه فینجس كلّه.
أدلة تنجس الماء المضاف بمجرد ملاقاة النجاسة
تنجس الماء المضاف بمجرد ملاقاة النجاسة حكمٌ مشهورٌ ومعروفٌ بین القدماء والمتأخرین، بل لم یعلم خلافٌ معروفٌ أو منقولٌ فیه، وادّعي الاجماع علیه في كلمات كثیرٍ من الفقهاء. فلا شبهة في تنجس المضاف القلیل بمجرد ملاقاة النجاسة وتدل علیه روایاتٌ بلا ارتیابٍ كروایة السكوني المعتبرة: «سئل عن قدرٍ طبخت وإذا في القدر فأرةٌ؟ قال: یهراق مرقها ویغسل اللحم ویؤكل» وهذا المرق من اقسام المضاف ولم یستفصل الامام (علیه السلام) بین الفأرة المتسلخة وغیر المتسلخة وبین وقوعها بعد الطبخ وقبله، بل قال (علیه السلام): «یهراق مرقها» فهذا دلیلٌ علی تنجس المضاف بمجرد الملاقاة ولو كان بمقدار رأس إبرةٍ، وكذا «ما یبل المیل من الخمر».
وخبر زكریا بن آدم یدل أیضاً علی تنجس المرق ولو كان كثیراً: «قال: سألت أبا الحسن عن قطرة خمرٍ أو نبیذٍ مسكرٍ قطرت في قدرٍ فیه لحمٌ كثیرٌ ومرقٌ كثیرٌ؟ قال: یهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة والكلب، واللحم اغسله وكله»
وكذا صحیحة زرارة: «محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید» وإسناد الشیخ(ره) عن كتاب الحسین بن سعیدٍ الاهوازي صحیحٌ، وله روایاتٌ عدیدةٌ ینقلها عن محمد بن أبي عمیر «عن عمر بن أذینة عن زرارة» وهي صحیحة عالية «عن أبي جعفر (علیه السلام) إذا وقعت الفأرة في السّمن فماتت. فإن كان جامداً فألقها وما یلیها وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به والزیت مثل ذلك.»
نعم، السّمن والزیت لا یدخلان في اقسام الماء المضاف لعدم اطلاق الماء علیهما، ولكن قوله (علیه السلام): «وإن كان ذائباً فلا تأكله» یدل بالدلالة العرفیة بأنّ السبب في التنجس هو السیلان ولا شكّ أنّ المضاف سائلٌ فلا فرق حینئذٍ بین الماء المضاف والزیت والسّمن من هذه الجهة.
ولأجل التيقن من عدم وجود خصوصیةٍ في السّمن والزیت بل یجب أن یکون سائلاً لاحظوا موثقة عمار الساباطي التي مفادها طهارة ذوات النفس غیر السائلة: «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی» ولا بأس بإسناده عن كتابه «عن أحمد بن الحسن الفضّال، عن عمرو بن سعید، عن مصدق بن صدقّة عن عمار الساباطي» وفي السند فطحیون موثقون «عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة» وهذه الحیوانات لیس لها دمٌ ونفسٌ سائلة «وما أشبه ذلك، یموت في البئر والزیت والسّمن وشبهه» وشبه الزیت والسّمن هو المضاف، وذكر البئر بالخصوص یدل علی عدم الفرق بین الماء المطلق والماء المضاف وبین الزیت والسّمن، ومعنی قول الامام (علیه السلام): «كلّ ما لیس له دمٌ فلا بأس به» هو أنّ موت كلّ ما لیس له دمٌ سائلٌ في البئر أو الزیت والسّمن أو المضاف لا ینجّسه؛ وظاهر الأمر هو عدم الفرق في النجاسة بالملاقاة بین كثیر المضاف وقلیله.
الدلیل علی عدم الفرق بین القلیل والكثیر في باب تنجیس المضاف
ومن الادلة الدالة علی عدم الفرق بین القلة والكثرة في المضاف. موثقة أبي بصیر:
روی الشیخ(ره): «بإسناده عن سعد، عن أبي جعفر» وهو أحمد بن محمد بن خالد «عن عثمان بن عیسی» وهو لا بأس به «عن سماعة بن مهران، عن أبي بصیر» وهي موثقةٌ لا صحیحة، وسماعة بن مهران واقفي المذهب، وفي عثمان بن عیسی كلامٌ «عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لیس بفضل السنّور بأسٌ أن یتوضأ منه ویشرب، ولا یشرب سؤر الكلب إلّا أن یكون حوضاً كبیراً یستقیٰ منه».
والسؤر هو الذي باشره جسم الحیوان أو عضوه وبقوله (علیه السلام): «إلّا أن یكون حوضاً كبیراً» قد استثنی الكرّ والاكرار من الماء وما عداه (أي غیر الماء المطلق الكثیر والكر) ومنه المضاف الكثیر داخلٌ في المستثنی منه، وسؤر الكلب نجسٌ لا یشرب منه، سواءً كان مضافاً أو سمناً وزیتاً ویشرب منه إذا كان كراً مطلقاً.
وهناك دلیلٌ آخر في المقام هو معتبرة السكوني: «أنّ علياً (علیه السلام) سئل عن قدرٍ طبخت وإذا في القدر فأرةٌ؟ قال یهراق مرقها ویغسل اللحم ویؤكل». والقدر في الروایة یشمل القدر الذي یبلغ حدّ الكر أیضاً، وكانت تستخدم هذه القدور في الأزمنة السالفة، وتوجد في زماننا هذا، وإنّ العرب والعشائر یطبخون الطعام في قدورٍ ربّما تتجاوز حدّ الكر، وإن لم تستخدم كثیراً في بلادنا، وكذلك في خبر زكریا بن آدم: «فیه مرقٌ كثیرٌ ولحمٌ كثیر»؛ ولفظة الكثیر في الروایة تشیر إلی تلك القدور البالغة حدّ الكر أو أزید منه، ولم یستفصل الامام (علیه السلام) بل قال (علیه السلام): «یهراق مرقها» أو «یهرق مرقها». وهذا دلیلٌ علی تنجس المضاف.
هذا المقتطف من الروایات الدالة علی تنجس المضاف بملاقاة النجاسة من دون فرقٍ بین القلیل والكثیر كافٍ ووافٍ لإثبات المدعیٰ. والحمد لله ربّ العالمین.