بسم الله الرحمن الرحيم
البحث (91)
أحكام الماء الجاري
«الماء الجاري وهو النابع السائل على وجه الارض فوقها أو تحتها كالقنوات لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير، سواءٌ كان كراً أو أقل، وسواءٌ كان بالفوران أو بنحو الرشح ومثله كلّ نابعٍ وإن كان واقفاً».
الاستدلال بموثقة سماعة على عدم انفعال الماء الجاري
إنّ ٱعتصام الماء الجاري هو المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً. فالماء الجاري معتصمٌ إذ كانت له مادةٌ باطنيةٌ، سواءٌ كان جارياً فوق الارض أو تحتها فلا ينفعل من دون فرقٍ بين قليله وكثيره. هذا هو رأي المشهور خلافاً لمن ٱعتبر الكرية[1] وقد ٱستدل على مسلك المشهور والمعروف بأمور:
الأمر الأول: هو روايةٌ واردةٌ في مقام الجواب عن ماءٍ جارٍ يبال فيه، وقد نفىٰ الامام (علیه السلام) البأس عنه، واطلاق نفي البأس في جواب الامام (علیه السلام) يقتضي عدم انفعال الماء الجاري، وإلا فلو كانت قلة الماء الجاري موجبةٌ لانفعاله لقيّد الامام (علیه السلام) في مقام الجواب نفي البأس ببلوغ الماء حدّ الكر.
هذه الرواية هي موثقة سماعة بن مهران: «محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد» وإسناده عن كتاب الحسين بن سعيدٍ الاهوازي صحيحٌ، وجلالة الحسين أوضح «عن عثمان بن عيسى» وقدتكلمنا عن عثمان بن عيسى وقلنا: لا بأس به، وقد وثقه الشيخ «عن سماعة بن مهران» واقفيٌ ثقة، «قال: سألته» وقد أشرنا مراراً إلى نفي البأس عن مضمرات سماعة فلا تضر باعتبارها كما في أغلب رواياته «سألته عن الماء الجاري يبال فيه، قال: لا بأس به».
تقريب الاستدلال: إنّ السائل ربما يسأل عن البول في الماء الجاري أي يسأل عن حكم الفعل، وهل هو منهي عنه في الشريعة أو لا؟ وفي هذه الموثقة لو كان السؤال عن الفعل لكانت أجنبيةً عن الدلالة على المدعىٰ، لكنها تغاير تلك الطائفة من الروايات التي سئل فيها عن حكم البول من حيث حرمته وكراهته، وتكون ناظرةً إلى بيان عدم انفعال الماء الجاري بعد السؤال عن نفس الماء الجاري: «سألته عن الماء الجاري يبال فيه» والامام نفىٰ البأس عنه: «لا بأس به». فلو كان عدم الانفعال مختصاً بالماء الجاري الكثير لقيّد الامام (علیه السلام) نفي البأس بقوله (علیه السلام): «لا بأس به إذا كان كثيراً کراً فما فوق».
هذا وجه الاستدلال.
استدلال المحقق الهمداني(ره) بصحيحة فضيلٍ على اعتصام الماء الجاري
قال المحقق الهمداني(ره)[2] في باب الطهارة بصحة الاستدلال على اعتصام الماء الجاري برواياتٍ ناظرةٍ إلى بيان حكم الفعل والجواب عن نفس البول في الماء الجاري نحو صحيحة فضيل. «محمد بن الحسين باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن ربعي» بن عبدالله «عن الفضيل» بن يسار، وهو من الأجلاء «عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري».
لقد التزم المحقق الهمداني(ره) بجواز الاستدلال بهذه الرواية على اعتصام الماء الجاري، وإن كانت في مقام بيان حكم الفعل حيث قال(ره): «إذ لو كان ملاقاة الماء للنجاسة سبباً لتنجسه لكان على الامام (علیه السلام) التنبيه عليه في مثل هذه الفروض ولو لم يكن مقصوداً بالسؤال».
فلو كانت ملاقاة النجاسة سبباً لانفعال الماء الجاري مع قلّته لكان على الامام (علیه السلام) بعد نفي البأس عن التبول التنبيه على وجوب الاجتناب عن استعمال ذلك الماء في التوضؤ وغسل الثياب فضلاً عن الأكل والشرب. فعدم تعرض الامام (علیه السلام) لهذه المسألة دليلٌ على عدم الفرق بين قلة الماء الجاري وكثرته.
هذا وجه استدلاله(ره).
عدم تعرض الروايات الدالة على جواز التبول في الماء لطهارة الماء
لا يتم ما أفاده المحقق الهمداني من وجه الاستدلال لانا نسأله ونسأل كلّ من يلتزم بكلامه(ره): هل المراد هو وجوب التنبيه علىالامام وإفهام السائل في نفس هذه الروايات الواردة في بيان حكم البول في الماء الجاري بانفعاله مع قلته إذا فرضنا تنجسه بالملاقاة في الواقع؟ فكأنّ هذه الروايات مطلقةٌ في المقام إذ لو كان الماء الجاري القليل متنجساً بالملاقاة لكان على الإمام (علیه السلام) التنبيه عليه. فإذا كان هذا هو المراد من وجوب التنبيه على الامام (علیه السلام) فما هو وجهه وما هو دليله؟ لأنّ الواجب على الامام (علیه السلام) على تقدير تنجس الماء الجاري القليل هو بيانه، إما في هذه الرواية أو في رواياتٍ اخرى بخطابٍ منفصل، فما هو وجه البيان في هذه الرواية حصراً؟ لأنّ المفروض هو ورود الرواية المذكورة في مقام حكم البول في الماء، وقد بيّن الامام (علیه السلام) فيها حكمه وبيّن الحكم الآخر وهو تنجس القليل من الماء الجاري بالبول في روايةٍ اخرىٰ. والحمد لله ربّ العالمين.
[1]. ومن العلماء الذين اعتبروا الكرية، المرحوم العلامة في كتابه نهاية الاحكام حيث قال:…
[2]. ذكر المحقق الهمداني(ره) ست روايات ومنها موثقة سماعة المذكورة واستدل بها على مسلك المشهور الدال على اعتصام الماء الجاري وقال في ذيل خبر «دعائم الاسلام» وهو الدليل الخامس له: «وتؤيده الاخبار المستفيضة النافية للبأس عن البول في الماء الجاري» ومن الاخبار النافية للبأس صحيحة فضيل وكلام المرحوم الميرزا التبريزي ناظر إلى هذه العبارة المذكورة للمحقق الهمداني.