أحکام الماء الجاري (ج 105)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (105)

أحكام الماء الجاري

مسألة 2: «إذا شكّ في أنّ له مادةً أم لا وكان قليلاً ينجس بالملاقاة».

الحالة السابقة لجميع المياه من حيث المادة.

يدور الكلام في الماء القليل الذي لا نعلم انه متصلٌ بالمادة أو لا؟ إنّ المسألة تنحصر بصورتين: الأولى المعلومة حالتها السابقة، والثانیة المجهولة حالتها السابقة من حيث وجود المادة وعدمه.

فقد ذكرنا أنّ الحالة السابقة لجميع المياه معلومةٌ وهي فقدان المياه لمادةٍ باطنيةٍ تحت الارض لأنّها نازلةٌ‌ من السماء على سطح الارض في البداية، ومتسربةٌ إلى الطبقات الخازنة في جوف الارض في النهاية، فإذا شككنا في وجود المادة وعدمها للماء المتجمع في باطن الارض قلنا: لم تكن للماء باطنيةٌ في زمانٍ والآن كما كان. فهنا صورةٌ واحدةٌ وهي الحالة السابقة المحرزة لجميع المياه وعدم وجود المادة، وان كان لماءٍ مادةٌ في السابق وشككنا في بقاء اتصاله بالمادة أجرينا استصحاب بقاء المادة.

لا صلة لاستصحاب العدم الازلي بمحل الكلام

إذا لم یکن للماء حالة سابقة من حيث وجود المادة قلنا بعدم وجوده المادة للماء بالاستصحاب الازلي، نحن تنزلنا درجةً والتزمنا بعدم حجية الاستصحاب في العدم الازلي، وأنّ الاستصحاب لا يجدي أثراً في العدم الأزلي؛ لأنّ موضوع الحكم قضيةٌ معدولةٌ أو عدمٌ نعتي، كما أفاده المرحوم النائيني بقوله: «المرأة المتصفة بعدم القرشية». فلا يجري الاستصحاب في العدم الازلي. نقول: ما هي علاقة الكبرى بالمقام؟ إذ لا صغرى لها هنا. فنحن نشك في ماءٍ أهو ذو مادةٍ أم لا وهذه هي الصغرى. وقد أسلفنا وكما قال الآخرون إنّ المياه المستعملة جميعها نازلةٌ من السماء. نقول:  نزل هذا الماء من السماء إلى الارض وتجمع على سطح الارض من دون أن يكون له مادةٌ باطنية، ثم تسرّب إلى طبقات المياه الجوفية، فللقضية المعدولة في المقام حالةٌ سابقة. فلا علاقة بالاستصحاب في العدم الازلي بما نحن فيه، وإن قلنا بعدم حجيته. فتمّ صرف النظر عن العدم الازلي في المقام. ثمّ أنّ الاستصحاب في العدم الازلي ليس بحجةٍ، وإنّ أصل موضوع الحكم هو قضيةٌ معدولة. هناك ماءٌ متصفٌ بعدم المادة.

نقول: هذه القضية المعدولة لها حالةٌ سابقة؛ لأنّ هذا الماء المتسرب على عمق عشرين متراً كان قبل التسرّب على سطح الارض نازلاً من السماء ولم تكن له مادةٌ باطنيةٌ تعصمه من الانفعال حينما كان على وجه الارض، والآن قد تسرّب ونحتمل أن لا يكون له مادة. هذا الاستصحاب هو استصحاب العدم النعتي. حیث إنّ لاستصحاب القضية المعدولة حالة سابقة.

والعجب من الاعاظم حيث التزموا بابتناء المسألة على‌اعتبار الاستصحاب في الاعدام الازلية مع أنه لا علاقة له بهذه المسألة، وجديرٌ بالذكر أنّ السيد اليزدي(ره) لا يعتبر الاستصحاب في الأعدام الأزلية، وليس كلامه صريحاً في اعتباره في الأعدام الازلية، وقد يظهر من المسائل السابقة، أنه أنكر[1] هذا الاستصحاب ومع ذلك حكم في المقام بأنه «إذا شكّ في ماءٍ قليلٍ انه له مادةٌ أم لا ينجس بالملاقاة» ويظهر من حكمه هذا أنه ليس مبنياً على استصحاب العدم الازلي، بل المستصحب في المقام هو عدم المادة.

الدليل على الخدشة في استصحاب العدم الأزلي

ثم اعلم أنّ الخدشة في استصحاب العدم الازلي انما ترد فيما إذا كان العدم الازلي من قبيل عدم العرض للمعروض، ومفاد عدم العرض للمعروض مفاد «كان الناقصة» كما أنّ مفاد وجود العرض للمعروض مفاد «كان الناقصة» فيستنتج منه أنّ القضية قضيةٌ معدولة، وأنّ العدم عدمٌ نعتي. فالاشكال يطرح فيما إذا كان المعروض موجوداً والعرض معدوماً وهنا يتسائل: فهل لاستصحاب العدم الازلي أثرٌ أم لا؟ كاستصحاب عدم القرشية؛ فالقرشية عرضٌ ونسبةٌ في المرأة، ولا نعلم أنّها واجدةٌ لهذا العرض أو لا، وأما إذا لم يكن العدم الازلي من قبيل عدم العرض فلا اشكال في جريان استصحاب العدم الازلي كما أنّ للمادة نفسها في الخارج وجوداً مستقلاً وللماء المتصل بها وجوداً آخر. فهناك وجودان متمايزان في الخارج، وليس أحدهما عرضاً والآخر معروضاً، بل المادة معدةٌ أو مقتضيةٌ وموجبةٌ لوجود الماء. فهما وجودان، للمادة وجودٌ وللماء وجودٌ آخر، فإذا انضم أحد الوجودين إلى الآخر في الخارج حكم الشارع بعدم انفعال الماء الموجود مع المادة الموجودة (حيث يكون مفادهما مفاد واو الجمع) وانفعال الماء الفاقد للمادة.

فهذا ليس من قبيل عدم الوصف وعدم العرض، بل الماء موجودٌ بالوجدان، لكن لم يكن الوجود الثاني وهو المادة، والآن لم يكن، فيتمّ الموضوع، ومفادهما مفاد واو الجمع كما مرّ.

قد ذكرنا في استصحاب العدم الازلي أنّ عدم اعتبار الاستصحاب في العدم الازلي على تقدير تمامية ا‌لاستدلالات المصرح بها يختصّ بموارد وصف الموضوع وعدم الوصف لعدم الموضوع حيث يقولون إنّ مفاده، مفاد «كان الناقصة» ولو في جانب عدم الوصف، واما إذا كان المفاد مفاد واو الجمع، فهما ليسا بالعرض والمعروض ولا إشكال في جريان استصحاب العدم الأزلي فيه. والحمد لله ربّ العالمين.


[1]– لم يصرح السيد اليزدي(ره) بانكار الاستصحاب في الاعدام الأزلية في موضع من كتابه ولكن المرحوم الميرزا التبريزي (قدس سره) استظهر الانكار من ظاهر كلامه في المسائل السالف ذكرها.