أحكام الماء المضاف (ج 17)

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث السابع عشر

كلامنا في الجهة الأولیٰ من المسألة هي فرض تنجس الاشیاء الطاهرة بملاقاة النجس، والسؤال عن أنّ تطهیرها هل ینحصر باستعمال الماء المطلق أم یجوز تطهیرها بالماء المضاف أیضاً؟

قلنا: لابد من البحث في مقام ازالة الخبث أو رفع الحدث بالماء المضاف من جهتین:

1- هل یجوز تطهیر الاجسام الطاهرة المتنجسة بالماء المضاف أم ینحصر تطهیرها بالماء المطلق؟

2- هل تتنجس الاشیاء والاجسام الطاهرة بملاقاة النجس في الجملة أم لا؟

النبحث في الجهة الأولی:

1- موثقة عمار الساباطي

«وباسناده عن محمد بن احمد بن یحیی» ینقل الشیخ باسناده من كتاب محمد بن احمد بن یحیی الاشعري القمي «عن احمد بن الحسن بن علي» وهو أحمد بن الحسن بن علي بن فضال «عن عمرو بن سعید» وهو فطحيٌ ثقة، كما ذكرنا «عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي» والروایة موثقةٌ من حیث السند «عن أبي عبدالله (علیه السلام) انه سئل عن رجلٍ لیس علیه الّا ثوبٌ» واحدٌ «ولا تحل الصلاة فیه» أي متنجسٌ بقرینة ذیل الروایة «ولیس یجد ماءً یغسله» هذه قرینةٌ علی أنّ المراد من عدم الحلیة لیس المیتة وأمثالها، بل یعني به المتنجس وعدم وجود ماءٍ لغسله (كیف یصنع؟ قال: یتیمم ویصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة) وتحمل اعادة الصلاة علی الاستحباب بقرینةٍ روایةٍ أخری تدلّ علی عدم وجوب الاعادة.

هذه الروایة تدل علی انحصار المطهر، بالماء ولو كان غیر الماء مطهراً من الخبث لفصّل الامام (علیه السلام) بقوله، «إذا وجد غیر ماءٍ كاللبن» أي المخیض «یغسله ویصلي» أو «یغسله ویتوضأ ویصلي» فالاطلاق وترك التفصیل في كلام الامام (علیه السلام) مشاهدٌ علی أنّ غیر الماء لا یرفع خبثاً ولا یجوز غسل الثوب به ولا یرفع حدثاً أي لا یصح التوضوء به، یقول الامام (علیه السلام): «یتیمم ویصلي فإذا أصاب ماءً غسله».

2- صحیحة الحلبي

«محمد بن علي بن الحسین باسناده عن محمد بن علي الحلبي» واسناد الشیخ الصدوق (قدس سره) عن محمد بن عليٍ الحلبي صحیحٌ، كما ذكره في المشیخة «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ أجنب في ثوبه» أي أصاب منيٌّ ثوبه «ولیس معه ثوبٌ غیره، قال: یصلي فیه فإذا وجد الماء غسله» فلو جاز رفع الخبث بغیر الماء من المیاه المضافة لفصّل الامام (علیه السلام) بقوله «یغسله باللبن إذا وجد ویصلي فیه» لكنّ الامام (علیه السلام) لم یستفصل واطلق الحكم بقوله «یصلي فیه، فإذا وجد الماء غسله» فهذا دلیلٌ علی أنّ غیر الماء لا یطهر حدثاً ولا خبثا.

3- روایة عمار الساباطي

من الروایات التي تدل علی أنّ غیر الماء لیس مطهراً روایاتٌ واردةٌ في كیفیة غسل الاواني. منها روایة عمار الساباطي: «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی، عن أحمد بن یحیی، عن أحمد بن الحسن بن علي بن الفضال، عن عمرو بن سعید» وأنا أحتمل الخطأ في ذكر أحمد بن یحیی ثانیاً، والظاهر هو محمد بن أحمد بن یحیی «عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي» الشیخ یكرر هذا السند في التهذیب والاستبصار «قال: سئل عن الكوز والاناء یكون قذراً» ومورد الروایة هو الاناء والكوز ولیس الثوب والبدن.

القذر مطلقٌ ویشمل كلّ الاقذار «كیف یغسل وكم مرةً یغسل؟ قال: یغسل ثلاث مراتٍ یصبّ فیه الماء» هذا الغسل قرینة علی الغسل بالماء القلیل «فیحرك فیه ثم یفرغ منه ثمّ یصب فیه ماءٌ آخر فیحرك فیه، ثم یفرغ ذلك الماء ثم یصب فیه ماء آخر فیحرك فیه ثم یفرغ منه، وقد طهر إلی أن قال: اغسل الاناء الذي تصیب فیه الجرذ میتاً سبع مرات».

قال السائل «كیف یغسل وكم مرةٍ یغسل؟» وقال الامام (علیه السلام) «یغسل ثلاث مراتٍ یصب فیه الماء» ولم یقل: «أو غیر الماء من سایر المضاف» ولو كان یطهر بغیر الماء لذكره الامام (علیه السلام). فذكر الماء بلا قیدٍ في كیفیة التطهیر واطلاقه دلیلٌ علی أنّ غیر الماء لا یطهّر شیئاً دليل على ان المراد هو الماء المطلق.

صحیحة البقباق

ومنها صحیحة البقباق الواردة في نجاسة الكلب وغسل الاناء من ولوغ الكلب: «باسناده عن الحسین بن سعید» ینقل الشیخ هذه الروایة باسناده إلی كتاب حسین بن سعید الاهوازي، واسناد الشیخ إلی كتاب حسین بن سعیدٍ الاهوازي صحیحٌ كما ذكرناه مراراً، وجلالة الحسین بن سعید الاهوازي معروفة وهو من الذین قل مثیلهم «عن حماد، بن عیسی، عن حریز عن الفضل أبي العباس البقباق، وهو من الاجلاء والثقات ومن أصحاب الامام الصادق (علیه السلام): «سألته عن فضل الهرة والشاة والبقرة والابل والحمار» إلی أن یقول الامام (علیه السلام) «لا بأس» سئل عن الكلب «فقال رجسٌ نجسٌ لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء» لأنّ الماء القلیل یتنجس، ویجب صبّه «واغسله بالتراب اول مرةٍ ثمّ بالماء» ولم یقل الامام: «ثمّ بالماء أو اللبن وأمثال ذلك» والاطلاقات هنا واردةٌ في مقام التطهیر والغسل في غیر الثوب والبدن وتدل علی أنّ غیر الماء لا یكون مطهّراً.

والحمد للّه ربّ العالمین.