بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث السادس عشر
احكام الماء المضاف
مسألة 1: «الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر، لكنه غیر مطهرٍ لا من الحدث ولا من الخبث ولو في حال الاضطرار، وإن لاقیٰ نجساً تنجس وإن كان كثیراً، بل وإن كان مقدار ألف كر، فإنّه ینجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرةٍ في أحد أطرافه فینجس كلّه. نعم، إذا كان جاریاً من العالي إلی السافل ولاقیٰ سافله النجاسة لا ینجس العالي منه، كما إذا صبّ الجلاب من إبریقٍ علی ید كافرٍ فلا ینجس ما في الابریق وإن كان متّصلاً بما في یده».[1]
عدم زوال الخبث بالماء المضاف
في الماء المضاف جهتان یبحث فیهما: الجهة الأولی هي «أنّ الماء المضاف لا یرفع حدثاً» وقد ذكرنا الكلام فیه، والجهة الثانیة هي «أنّ الماء المضاف لا یزیل خبثاً» كالسوائل الأخریٰ التي لا یطلق علیها الماء أصلاً ولا یزول الخبث بها.
المشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً هو أنّ المضاف لا یزیل الخبث ونقل عن الشیخ المفید(ره) تجویز إزالة الخبث، والتطهیر بالماء المضاف،[2] ونسب ذلك إلی السید المرتضی (قدس سره)[3] وإلی ابن عقیل(ره).
وذهب بعضٌ إلی جواز إزالة الخبث بالماء المضاف في حال الضرورة، والضرورة هنا هي فقد الماء المطلق، ونسب أیضاً إلی المحدث الكاشاني(ره) الذي هو من المتأخرین، القول بجواز ازالة الخبث بالماء المضاف.
دلیل جواز إزالة الخبث بالماء المضاف عند المحدث الكاشاني
ذهب المحدث الكاشاني في مفاتیح الشریعة إلی أنّ المضاف یزیل الخبث حسب ما نقل عنه(ره) واستدل علیه بروایةٍ موثقةٍ وهي «كلّ شيءٍ طاهرٌ، كل شيءٍ نظیفٌ حتی تعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فلیس علیك» هذه روایةٌ موثقةٌ نقلها صاحب الوسائل عن عمار: «وباسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی» وهو اسنادٌ صحیح «عن أحمد بن الحسن» هو أحمد بن حسن الفضال بن حسن بن علي الفضال «عن عمرو بن سعید، عن مصدق بن صدقة بن عمار الساباطي» والسند یشتمل علی رواةٍ من الفطحیین، ولكن كلّهم أجلّاءٌ وثقات «كلّ شيء نظیفٌ حتی تعلم انه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فلیس علیك».
لكن إذا لاحظنا كلام المحدث الكاشاني(ره) في مفاتیح الشریعة وجدناه منكراً لنجاسة الشيء الطاهر المصاب بالنجس. نعم، نحن نقول ذلك في خصوص البواطن وبدن الحیوان وكفایة زوال العین فیهما بلا حاجةٍ إلی غسلهما، وعدم تنجس بدن الحیوان متسالم علیه، والأظهر عندنا عدم تنجّس بدن الحیوان كما سیأتي تفصیله. فالنجس عنده(ره) هو عین النجاسة التي یحملها المتنجس ویبقیٰ علی طهره إذا ازیلت العین منه بالفرك[4] أو بغیر الفرك، فاللازم هو الازالة. نعم، هو قد استثنی الثوب والبدن لما دلت علیه روایاتٌ من وجوب غسل الثوب والبدن المتنجسین. فكأنّه لا یوجد نصٌ علی نجاسة غیر الثوب والبدن. وبالمناسبة تمسك المحدث الكاشاني(ره) بهذه الموثقة في اثبات طهارة سائر الاشیاء ما لم تعلم قذارته، والقذر هو عین القذر المعلوم كالدم والمني، ویكفي في إزالة العین الفرك وغیر الفرك كالغسل بالماء المضاف؛ لأنّ كلّ شيءٍ طاهرٌ في نفسه ولا تتنجّس الاجسام الطاهرة. فالمحدث الكاشاني(ره) ینكر تنجس المتنجس، ویری انحصار النجس في عین النجس كما هو الحال في طهارة بدن الحیوان إذا أزیلت عین النجاسة منه بالفرك أو بغیر الفرك.
فظاهر كلامه(ره) وظاهر استدلاله(ره) هو عدم تنجس الاشیاء ما عدا الثوب والبدن فالكلام في المقام الثاني یقع في جهتین:
الجهة الأولی هي أنه إذا فرضنا تنجس الاجسام الطاهرة بملاقاة النجس فهل یكفي تطهیر الاجسام الطاهرة المتنجسة بالماء المضاف أم ینحصر التطهیر بالماء المطلق؟
الجهة الثانیة هي أنّه هل تتنجس الاشیاء الطاهرة بملاقاة النجس في الجملة أم لا تتنجس كلیاً؟[5] [وبعبارةٍ أخریٰ، هل التطهیر الشرعي هو إزالة النجاسة والقذارة أم هناك شيءٌ آخر یجب مراعاته أیضاً؟]
ظاهر كلام المحدث الكاشاني(ره) هو عدم متنجس الاشیاء الطاهرة، وأنّ النجس هو عین النجس التی یحملها الجسم المصاب بها، والجسم محكومٌ بالطهارة إذا أزیلت منه العین ما عدا الثوب والبدن ولعلّ الكلام المنقول عن السید المرتضی(ره) أیضاً هو عدم تنجس الاجسام الطاهرة وكفایة إزالة العین بالفرك أو بغیر الفرك.
نقول: عین النجس، نجسةٌ إذا لاقت جسماً طاهراً فنقول بالتنجيس الحكمي في الجسم الطاهر أیضاً ولا نقتصر بنجاسة عین النجس فقط، كما هو المشهور بل عين النجس تنجس الملاقي حکماً وعلی هذا یجب تطهیر المتنجس بالغسل (أي یجب غسله بالماء المطلق) بعد إزالة العین النجسة كما سیأتي تفصیله وتفاصیل كیفیة التطهیر بالماء القلیل والكر والجاري وكیفیة تطهیر المتنجس بالتنجس البولي أو غیر البولي. فلابد من البحث في هذین المقامین.
[1] . السید محمدكاظم الیزدي، العروة الوثقیٰ، (بیروت، موسسة الأعلمی للمطبوعات، ط 2، ت 1409)، ج 1، ص 26.
[2] . لم یوجد هذا القول في كلمات الشیخ المفید (ره) بعد التتبع والفحص عنه في كتبه ولم ینسب ذلك الیه في الكتب الفقهیة المشتملة علی الفتاوی الخلافیة للفقهاء ككتاب الخلاف للشیخ الطوسي ومختلف الشیعة للعلامة الحلي وغیرهما. نعم جاء في كتاب مختلف الشیعة وقوع الخلاف في آراء الامامیة حول المقام وهذا نصه:…
ولكن المحدث الكاشاني (ره) في مفاتیح الشریعة نسب ذلك إلی الشیخ المفید (ره) وقال:
…
[3] . فقلنا ما نسبه العلامة إلی السید المرتضی وعبارة السید (ره) كما یلی:…
[4] . فرك الثوب بیده أی دلكه.
[5] . ای هل یتنجس بعض الاشیاء والاجسام الطاهرة بملاقاة النجس أم لا یتنجس شئ منها بملاقاة النجس؟